مهرجان الجونة للسينما يضيء سماء مصر للسنة الخامسة.
كتب : دكتور منى رجب
ليس هناك أروع من السينما كلغة سهلة وممتعة ومثمرة للتواصل بين الشعوب، وليس هناك أجمل من السينما، لتتعرّف على شكلٍ الحياة لشعب من الشعوب ولثقافته ولقضايا الناس فيه وعاداتهم وتقاليدهم ومشاكلهم واتجاهاتهم، وليس هناك أفضل من السينما لتوثيق فتره أو فترات من تاريخ شعب أو دولة وتسجيل أهم الأحداث فيها.
ورغم أن مهرجان الجونة السينمائي الدولي هذا العام يبدأ فعاليات دورته الخامسة في الفترة ما بين ١٤ إلى ٢٢ أكتوبر إلا أنه استطاع خلال الأربع سنوات الماضية من عمره فقط أن يكون شعلة من نور تضيء سماء مصر بجدارة من خلال فن السينما.
ورغم أنه مهرجان خاص فإنه استطاع أن يلفت نظر صناع السينما في العالم، وأن يضع لنفسه اسماً شهيراً بحروف مضيئة على مستوى العالم، كما استطاع أيضاً أن يلفت النظر إلى مدينة الجونة التي لها ملامح خاصة، فهي مدينة جميلة هادئة، ولها سمات مميزة لا تشبه أي مكان أو مدينة أخرى في مصر.
ولا بد أن أضيف أيضاً أن نجاح عائلة ساويرس في إقامه هذا المهرجان قد يشجع رجال أعمال آخرين قريباً على إقامة مهرجانات أخرى فى مدن أخرى، والاستثمار في الفن السابع، مما يمكن أن يسهم في تحقيق إضافة مثمرة إلى دنيا الثقافة والفنون المصرية في مواجهه كل خفافيش الظلام والتخلف في بلدنا.
ويسهم في حركه التنوير بها، ويسهم في إضاءة العقول وتحريك مشاعر الإنسانية والعاطفة لدى المشاهدين، لأن كل دار سينما تضاء وكل فيلم راق يتضمن رساله تقدم أو يقدم قيمة أخلاقية أو إنسانيه أو فنية فإنه أيضاً.
وفي نفس الوقت يسهم في تقدم مصر والمشاركة في غلق باب من أبواب الأفكار المتخلفة والمتطرفة والأصولية التي ما زال أصحاب الفكر الظلامي يتخفون وراءها، ويحاولون الترويج لأفكارهم المتطرفة من ورائها.
والحقيقة أنني لم أحضر المهرجان في أي من دوراته السابقة، وربما يتسنى لي حضوره في دورات مقبلة رغم أنني من المتابعين لأنشطته، ورغم أن الثقافة والفنون يحتلان حيزاً كبيراً من اهتماماتي ومن كتاباتي، ومن وقتي ومسئولياتي، ورغم أنني كتبت نقداً عن الأفلام السينمائية المصرية والعربية في مقالاتي طوال مسيرتي الصحفية إلا أنني منذ الصغر أيضاً لديّ اهتمام بهما وبمتابعتهما، لأن الثقافة والفنون هما كالماء والهواء بالنسبة لي، وهما في رأيي من أساسيات التقدم لأي بلد يتطلع إلى ذلك.
ورغم أنني دُعيت لحضور العديد من المهرجانات المصرية والعالمية في مختلف أنواع الفنون والإبداع، منها مثلاً مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ دوراته الأولى وحتى دورته الأخيرة.
ومهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل منذ دوراته الأولى، وحتى آخر دوراته، الذي أتمني أن يعود مرة أخرى بعد توقفه، والمهرجان القومي للسينما وهي ٣ مهرجانات تابعة للدولة المصرية وتنظمها وزارة الثقافة.
ومنها أيضاً على سبيل المثال لا الحصر مهرجان دبي السينمائي الدولي الذي سعدت بحضوره بناءً على دعوة من القائمين عليه منذ دوراته الأولى، وعلى مدى عدة أعوام حتى 2010، ومهرجان السينما العربية الذي أقامه معهد العالم العربي بباريس، لتعريف أوروبا وفرنسا علي السينما العربية.
كما أنه تم اختياري في لجان تحكيم مهرجانات سينمائية مصرية مهمة إلا أنني رغم عدم حضوري لأية دورة من دورات مهرجان الجونة السينمائي إلا أنني رحبت بانطلاقه، وتحمّست له، وسعدت بوجوده على أرض مصر، لأنها خطوه فيها ريادة في بلدنا، لأنه أول مهرجان خاص دولي للسينما يقام بمصر، وهو مهرجان الجونة السينمائي الدولي.
ويرجع اهتمامي بالسينما إلى سنوات الطفولة، فمنذ الصغر كنت أرافق أمي لمشاهدة الأفلام المصرية والأجنبية، وكانت أيام الإجازة من المدرسة في الصيف أو يوم الجمعة والأحد كنت أحرص على مشاهده فيلم مصري أو أجنبي بعد انتهاء تدريباتي الرياضية صباحاً في النادي.
كنت وما زلت من محبي السينما ومن متابعيها، وأحرص دائماً علي مشاهدة أحدث وأهم وأنجح الأفلام المصرية والعالمية لدى نزولها إلى دور السينما، كما أتاح لي النتفليكس وشاهد والفضائيات ووسائل التواصل والتكنولوجي الحديثة متابعة الأفلام الجديدة فور إصدارها، لما لها من أهمية في حركه التنوير، وفي حركة تقدم المجتمعات وفي تقديم صوره الحياة في أي بلد، وهي أيضاً إلى جانب هذا إحدى سبل الارتقاء بالتفكير والوجدان والتغيير إلى الأفضل.
ولطالما طالبت في مقالاتي بضرورة الاهتمام بالسينما والحرص عليها في سواء أكان ذلك من جانب الدولة أو من جانب رجال الأعمال وصناع السينما وإنتاج أفلام ذات مستوى متميز ورفيع وإقامة المهرجانات الفنية الدولية ذات المستوى العالي للتواصل مع الشعوب الأخرى، وتقديم صورة مصر الصحيحة للعالم.
وتعجب الكثيرون في الوسط الثقافي والفني واندهشوا حينما كتبت في صحيفة الأهرام مقالاً أطالب بأن يكون لدينا 100 مهرجان فني. إننا في حاجة إلى إقامة 100 مهرجان سينمائي في مختلف محافظات مصر، لأن شعبنا محب للفنون بطبعه ومحب للبهجة ومحب للسينما، حيث إن مصر رائدة في صناعة السينما في العالم، وحتى يمكننا أن نتصدى ونقضي على التخلف والجهل والتطرف من خلال الفن الراقي.
ومن هنا جاءت سعادتي بانطلاق مهرجان الجونة السينمائي الدولي الذي تقيمه عائلة ساويرس، وهي عائلة لديها مشاريع عديدة كبيرة وناجحة في مختلف المجالات، وهي عائله تهوى الثقافة والفنون.
وتسعى للمشاركة في دفع عجله التقدم بمصر، وسعدت بأنني كنت من الحريصين على ارتياد دور السينما الجديدة الأنيقة التي أنشأتها عائلة ساويرس خلف مركز التجارة العالمي بالقاهرة، التي شجّعتني على ارتياد السينما مرة أخرى.
كما شجّعت غيري على الذهاب إلى السينما، لأنني طوال حياتي أجد متعة ووقتاً جميلاً في حالة حضور فيلم جديد بدار سينما أنيقة ومريحة، سواءً أكان فيلماً مصرياً أو لدولة عربية أو أجنبية، وكنت قد امتنعت عن ارتياد السينمات كغيري من السيدات والبنات والشابات بعد إهمال دور السينما القديمة التي كانت في وسط البلد.
وكنت أسعد أيضاً برؤية رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس، وهو يقدم دعماً لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي أثناء فترة تولي الفنان فاروق حسني وزارة الثقافة.
وكان يحرص على حضور حفلات الافتتاح والحفلات أيضاً التي تقام على هامش المهرجان لكبار نجوم العالم من ضيوف المهرجان، التي أيضاً كان يحضرها الوزير ورئيس المهرجان وأمين عام المهرجان، التي كانت تقام في أماكن تاريخية وأثرية خلابة، مثل قصر محمد علي بشبرا، وقصر محمد علي بالمنيل علي سبيل المثال لا الحصر، وكلها مواقع مبهرة تبهر الضيوف من مشاهير النجوم الأجانب أو من لجان التحكيم الأجنبية والعربية، وكلها قصور كان قد تم ترميمها في خلال سنوات مسئولية فاروق حسني عن الثقافة المصرية.
وأذكر هنا شهادة حق للتاريخ أن الوزير الفنان فاروق حسني يعتبر وزير الثقافة المصري الأهم والأكثر إنجازاً، رغم حملات الهجوم المستمر وأحيانا المستعر عليه، فهو الذي قدم أكبر كم من الإنجازات والنجاحات والانفتاح على الثقافات العالمية، وأنا في تقديري أشجّع على إقامة المهرجانات الفنية الراقية والناجحة في مختلف الفنون، لأنه في تقديري عندما تضاء أنوار الثقافة والفنون فإنك بذلك تقضي على التخلف والانعزال والتشدد والتطرف الفكري.
وإنني أتمنى دورة ناجحة ومثمرة لمهرجان الجونة السينمائي الدولي في دورته الخامسة، وأتمنى التوفيق للقائمين على هذا المهرجان سميح ساويرس ونجيب ساويرس ومسؤولي الإدارة والتنظيم، لأنه بهذا يسهم في إضاءة سماء مصر بأنوار الفنون والمتعة والحرية، والتواصل مع العالم ومشاهدة الجديد في فن السينما العالمية.
وأتمني أن ينجحوا في تقديم أفلام تعكس أحدث اتجاهات السينما العالمية والمصرية والعربية من أفلام طويلة وقصيرة، وأن تقام ندوات ناجحة وثرية على هامش المهرجان، تسهم في إضافة ثراء ثقافي إلى عالم السينما المصرية، وأن يزيد عدد الأفلام الأجنبية المشاركة في الدورة الخامسة، وأن تحظى بضيوف ونجوم ذوي مكانة عالمية شهيرة.
وأن يزيد عدد المتابعين من الإعلام الأجنبي والعربي أيضاً. وهذا العام أتمنى له النجاح في تشجيع ودعم البيئة التي كرس لها جائزة في هذه الدورة، وهذه خطوة إيجابية تضاف إلى ريادته كمهرجان خاص. وأتمنى أيضاً أن يتم تقديم جائزة لفيلم يدعو للسلام والحرية في الدورات المقبلة إن شاء الله.