
منظار الرحم.. ثورة حديثة في طب أمراض النساء.
شهد طب أمراض النساء خلال العقدين الأخيرين تطورًا هائلًا في أدوات التشخيص والعلاج، وكان من أبرز هذه التطورات ظهور منظار الرحم «Hysteroscopy» الذي غيّر مفاهيم كثيرة في فهم أمراض الرحم وتعامل الأطباء معها. هذا الإجراء البسيط أصبح اليوم أحد الأعمدة الأساسية في الممارسة اليومية لأطباء النساء، لما يتميز به من دقة وأمان وسرعة تعافٍ للمريضة.
ما منظار الرحم؟
منظار الرحم هو أنبوب رفيع مزود بعدسة وكاميرا دقيقة يتم إدخاله عبر عنق الرحم دون الحاجة لأي شق جراحي، ما يسمح للطبيب برؤية بطانة وتجاويف الرحم مباشرة على شاشة عالية الدقة.
ويُستخدم المنظار لأغراض تشخيصية للكشف عن أي مشكلات داخل الرحم، أو علاجية لإصلاحها في الإجراء نفسه، دون جراحة كبرى.
ثورة في التشخيص الدقيق
في الماضي، كان الكثير من أمراض الرحم مثل الالتصاقات أو اللحميات أو الحواجز الخلقية لا يُكتشف إلا بعد معاناة طويلة من تأخر الحمل أو النزيف المتكرر. أما اليوم، فقد أصبح منظار الرحم الوسيلة الأدق لتشخيص هذه الحالات، إذ يمكن للطبيب أن يرى بعينه أي خلل في بطانة الرحم ويحدد موقعه بدقة ميليمترية.
كما يُمكّن المنظار الطبيب من أخذ عينات دقيقة من بطانة الرحم لتحليلها، ما يساعد في اكتشاف التهابات مزمنة أو تغيرات خلوية مبكرة قد لا تظهر في الأشعة أو السونار.
الاستخدامات الحديثة في علاج أمراض النساء
لم يعد منظار الرحم وسيلة تشخيصية فحسب، بل أصبح أداة علاجية متكاملة بفضل التطور الكبير في التقنيات الجراحية والأجهزة الدقيقة.
فاليوم يمكن للطبيب أن يُجرى من خلال المنظار إزالة اللحميات الرحمية «Polyps»، أو الألياف الصغيرة داخل التجويف، أو الالتصاقات الناتجة عن التهابات أو عمليات سابقة، وكذلك تصحيح التشوهات الخلقية مثل الحاجز الرحمى، دون الحاجة إلى فتح البطن أو إقامة بالمستشفى.
كما يُستخدم المنظار حاليًا في بعض حالات نزيف الرحم غير المنتظم لعلاج بطانة الرحم بالكي أو الاستئصال الجزئي «Endometrial ablation» بطريقة آمنة وفعالة.
دوره في تأخر الحمل والإجهاض المتكرر
من أبرز المجالات التي أحدث فيها منظار الرحم نقلة نوعية هو طب العقم والخصوبة. فقد أثبتت الدراسات أن نسبة غير قليلة من السيدات اللاتي يعانين من تأخر الحمل أو فشل متكرر في عمليات الحقن المجهري يكنّ مصابات بمشكلات داخل الرحم لا تُرى إلا بالمنظار.
بمجرد اكتشاف هذه المشكلات وإصلاحها بالمنظار، ترتفع فرص الحمل الطبيعي أو نجاح الحقن المجهري بشكل ملحوظ.
كما يُستخدم المنظار في تقييم بطانة الرحم لدى السيدات اللاتي يعانين من إجهاضات متكررة، حيث يساعد في اكتشاف الحواجز أو الالتصاقات أو التهابات بطانة الرحم الدقيقة التي قد تعوق انغراس الجنين.
المنظار العيادي.. راحة وسرعة
من التطورات الحديثة أيضًا ظهور ما يُعرف بـ«المنظار العيادي» Office hysteroscopy، وهو إجراء بسيط يتم في العيادة الخارجية دون تخدير عام، حيث يُدخل الطبيب المنظار الرفيع جدًا لفحص الرحم في غضون دقائق، لتعود المريضة إلى حياتها الطبيعية مباشرة بعد الفحص.
هذا التطور جعل الفحص أكثر سهولة وأقل كلفة، ما أسهم في نشر استخدام المنظار بشكل واسع في المراكز الطبية حول العالم.
الأمان والتعافي السريع
يتميز منظار الرحم بدرجة عالية من الأمان، إذ يتم دون أي جروح أو خياطة جراحية، ولا يسبب ألمًا يُذكر مقارنة بالجراحات التقليدية، كما أن فترة التعافي لا تتجاوز بضع ساعات، ويمكن للمريضة العودة إلى عملها في اليوم نفسه.
الخلاصة
أصبح منظار الرحم اليوم أداة لا غنى عنها في طب النساء الحديث، يجمع بين الدقة التشخيصية والإمكانات العلاجية المتقدمة، ويسهم في تحسين فرص الحمل وتقليل الحاجة إلى الجراحة التقليدية.
ومع استمرار التطور في تقنيات التصوير والمناظير الرقمية، يُتوقع أن يحتل منظار الرحم مكانًا أكبر في مستقبل الرعاية الصحية للمرأة، كرمز لطب أكثر دقة وإنسانية وأمانًا.
نسأل الله السلامة للجميع













