
شارع مراد .. شارع تاريخي مليء بالتناقضات.
كتب : سارة بدران
سُمي باسم أكبر خائن لمصر وتاريخه يرجع إلى العثمانيين والمماليك.
يقع شارع مراد في حي جنوب الجيزة قريب من حديقة الحيوان، فهو رسمياً اسمه طه حسين، حيث تشير عقود إيجار وتمليك أي مؤسسة في شارع مراد إلى أن الاسم الرسمي له هو شارع طه حسين.
لأنه من سكان الجيزة، لكن اسم مراد هو الباقي، والعجيب أنه يسمى باسم مراد بك حاكم مصر الخائن الذي باع مصر للفرنسيين.
ويعد هذا الشارع من أشهر وأقدم الشوارع بمحافظة الجيزة، حيث يحفل تاريخه بكثير من الأسرار والحكايات، أبرزها مجموعة من التناقضات ارتبطت باسم الشارع وما يحمله من معالم بداخله.
ترجع تسمية الشارع إلى مراد بك المصري المملوكي الجركسي الأصل زعيم سلاح الفرسان والحاكم المشترك لمصر مع إبراهيم بك.
حفلت مسيرة مراد بك بكثير من قصص الخيانة، فسيده محمد بك أبو الدهب خان أستاذه علي بك الكبير، ثم انتهى حكم مصر مشترك بين مراد وإبراهيم بتصديق من العثمانيين.
كانت المواءمات هي العامل الأساسي في علاقة مراد وإبراهيم بالعثمانيين، فتركيا حاربتهما وأعطتهما ملك الصعيد الجواني من برديس والبلينا في سوهاج حتى النوبة، ثم اتحد مراد وإبراهيم ضد العثمانيين، واستردا منصب شيخ البلد.
عندما دخل الفرنسيون مصر تحالف معهم، وبدأت المراسلات بين كليبر ومراد بك، وانتهت باجتماعهما في الفيوم، حيث اتفقا على أن يحكم مراد بك الصعيد باسم الجمهورية الفرنسية.
وتعهد كليبر بحمايته إذا تعرض لهجوم أعدائه عليه، وتعهد من جانبه بتقديم النجدة اللازمة لمعاونة القوات الفرنسية إذا تعرضت لهجوم عدائي أياً كان نوعه.
وأن يمنع أي قوات أو مقاتلين من أن يأتوا إلى القاهرة من الصعيد لمحاربة الفرنسيين، وأن يدفع لفرنسا الخراج الذي كان يدفعه من قبل للدولة العثمانية، ثم ينتفع هو بدخل هذه الأقاليم.
وكانت قمة خيانته بحق أثناء ثورة القاهرة الثانية، حيث شارك في عمليات القتل ضد المصريين.
ومنع عن القاهرة الإمدادات الغذائية التي كانت ترد إليها من الصعيد ومن الجيزة، فيذكر أنه صادر شحنة من الأغذية والخراف تقدر بأربعة آلاف رأس كانت آتية من الصعيد لنجدة أهل القاهرة.
وقدمها هدية إلى كليبر والجيش الفرنسي، وكادت القاهرة تسقط في مجاعة حقيقية.
ومن مكانه في الصعيد وأخذ يتابع الموقف في القاهرة والإسكندرية بدقة شديدة، وبدأ يرى بعينيه نهاية الحملة، واقتنع بضعف الفرنسيين أمام الإنجليز.
ولأنه لا يستطيع أن يعيش بلا خيانة، فقد اتصل بالإنجليز، ونجحت مفاوضاته معهم بالفعل، وأعلن الانجليز أنهم سيصفحون عن كل ما ارتكبه إذا ما انضم إلى الإنجليز في المعركة الأخيرة، التي كان يجري التحضير لها لإنهاء وجود الحملة في مصر.
وهكذا أبدى استعداده التام للانضمام إلى الإنجليز ومحاربة الفرنسيين، وبدا أنه يغير انتماءه بسرعه شديدة كمن يغير ملابسة، وكانت انتماءات مراد كلها لمصلحته، ولم تقترب قط من مصلحة المصريين.
وفي ذروة سعادته بأنه نجح في أن يلعب على الجانبين الفرنسي والإنجليزي بنجاح، كان المرض القاتل ينتظره فقبل نشوب المعركة الأخيرة بين الإنجليز والفرنسيين، أصاب الطاعون مراد بك، ومات به في ٢٢ أبريل عام ١٨٠١، ودفن في سوهاج.
يرتبط شارع مراد بتناقضات كثيرة سواء في اسمه أو الشوارع المتفرعة منه، أولها أن اسم الشارع منسوب إلى أحد أبرز زعماء المماليك الذي خان مصر مع الفرنسيين وتحالف مع الإنجليز.
وفي آخر نفس للشارع يوجد امتداد لأبرز زعماء فرنسا الذين سحقوا المماليك في الجيزة، وهو شارل ديجول.
ثاني تناقض أن إيبارشية الكنيسة القبطية في الجيزة مبنية على حدود شارع يافع بن زيد أحد افراد قبيلة يمنية كانت مع الجيش الإسلامي في فتح مصر.
أما التناقض الثالث والأبرز في شارع مراد يمس شهرة مصر في محبتها لكل أفراد آل البيت، فالمحروسة التي استقبلت السيدة زينب بعد واقعة كربلاء بعد قتل آل البيت على يد للدولة الأموية في عهد يزيد بن معاوية، هي نفسها المحروسة التي خلدت اسم الوالي الأموي قره بن شريك زمن الوليد بن عبد الملك.
ومن أسرار هذا الشارع أن أبو الحسن بن رضوان الطبيب المصري الشهير زمن الفاطميين، الذي على اسمه شارع متفرع من مراد مات مجنوناً بعد خيانة ابنته بالتبني له حين سرقته أيام المجاعة التي حلت في مصر زمن المستنصر الفاطمي.
وعرفت باسم شدة المستنصرية. وعند شارع قره بن شريك المتفرع من شارع مراد وقعت جريمة قتل المخرج نيازي مصطفى. وإن هذا الشارع هو مسقط رأسي، ولم أكن أعلم أنه شارع تاريخي لهذه الدرجة.













