محمد رمضان أم إسماعيل ياسين: من هو (نمبر وان) بحق وحقيق؟!
شيء في قلمي
بقلم : طارق الشناوي
tarekelshinnawi@yahoo.com
الشهر الماضي انتفضت (السوشيال ميديا) غاضبة، وانضم لهم عدد كبير من الفنانين دفاعاً عن إسماعيل ياسين، بسبب ما لحق به من اتهامات عشوائية في مسلسل (موسى) للفنان محمد رمضان. حتى لو كان المقصود درامياً تقديم إنسان مجهول ينتحل شخصية إسماعيل ياسين، إلا أن المؤكد أن المشهد لم يكن موفقاً على كل المستويات، رغم كل التبريرات.
المقصود هو أن موسى (محمد رمضان) لا يعرف أي شيء عن الحياة، ولا حتى ملامح إسماعيل ياسين، كان من الممكن تحقيق هذا المعنى بوسيلة أخرى لا تخدش مكانة إسماعيل ياسين في الوجدان المصري والعربي.
سبق أن سخر رمضان قبل بضع سنوات من أفلام إسماعيل يسن التي قدمها عن القوات المسلحة في مطلع ثورة يوليو 52، رغم أن تلك الأفلام لعبت دوراً حيوياً في إقناع الشباب بالتطوع في الجيش المصري، ربط البعض بين الموقفين مما وضع رمضان تحت طائلة الاتهام بالتطاول على القمم الفنية، وتعمد توجيه ضربات طائشة إلى إسماعيل ياسين.
نهاية هذا الشهر تمر الذكري الـ 49 لرحيل أهم وأشهر وأصدق ضحكة عرفتها مصر والعالم العربي كله طوال التاريخ، إنها تلك الضحكة التي قدمها لنا إسماعيل يسن منذ نهاية ثلاثينيات القرن الماضي.
ولا يزال حتى الآن قادراً على أن يغسل همومنا!
من الذي يمنح الفنان تأشيرة الدخول للوجدان؟ إنه الجمهور، الناس فقط هي التي تملك هذا السر الذي يبدأ بنظرة فابتسامة فضحكة، لا يوجد فنان كوميدي كان هو صاحب الخطوة الأولى في عقد هذه الصلة بينه وبين الناس، الجمهور هو الذي يقرر أولاً هو الذي يصنّف الفنان أولاً باعتباره كوميدياً.
إسماعيل يسن جاء من السويس في مطلع الثلاثينيات وهو يحلم بشيء واحد أن يصبح مثل محمد عبد الوهاب مطرباً عاطفياً ذائع الصيت، إلا أن الناس كان لها رأي آخر.
حياة إسماعيل يسن الإبداعية وضعته على القمة مع مطلع الخمسينيات، إلا أنه منذ نهاية الثلاثينيات وهو يعتبر الورقة الرابحة في السينما والمسرح، كان يتقدم لقلوب الناس خطوة خطوة، حتى اعتلى العرش.
واستمر حتى منتصف الستينيات على القمة ملكاً متوجاً، بعد ذلك بدأ رحلة الأفول، ماتت ضحكات الناس وفي لحظات بعدها مات أيضاً إسماعيل يسن في 24 مايو عام 1972، إلا أن الناس لم تنس أبداً أنه النجم الأول، أطفال زمن الكمبيوتر والبلاي ستيشن لا يزالون يعتبرون أن إسماعيل ياسين هو الأقرب إليهم، والدليل أن أفلامه الأبيض والأسود تحقق أعلى درجات المشاهدة، إنه ضحكة عابرة للأجيال.
كان إسماعيل يسن هو عنوان لمصر، بل أكبر عناوينها منذ بزوغ نجوميته، وتأملوا معي ظلال هذه الحكاية! في منتصف الخمسينيات كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في زيارة للملك الأسبق الراحل محمد الخامس في المغرب.
وبينما الوفد الرسمي يتحرك بين الجموع استطاع أحد المواطنين اقتحام الموكب، واتجه إلى جمال عبد الناصر قائلاً حضرتك من مصر؟ قال له أيوه.. أجابه عندما ترجع سلم لي على إسماعيل ياسين. هكذا كان له كل هذا الحضور الذي يتجاوز حتى حضور الزعماء!
غنّت له شادية (عجباني وحاشته وحاشته عجباني)، وغنّت له فايزة أحمد (يا حلاوتك يا جمالك خليت للحلوين إيه)، تخيلوا قدرة رموش إسماعيل ياسين على قهر النساء. نعم كانت وحاشة إسماعيل ياسين هي سره عند شادية، أما فايزة فلقد رأتها ذروة الجمال!
مفتاح إسماعيل ياسين للدخول إلى قلوب الناس هو شعورك كمتفرج بأنك تتفوّق عليه، فأنت الأكثر ذكاءً وقوة ووسامة، ورغم ذلك فإنه وبلا أي مميزات خاصة يحقق الثروة، وينتصر على من هم أقوى منه، ويتزوج من جميلة الجميلات، وبالطبع هذه هي العوامل الظاهرية.
لكن السر الحقيقي لحالة التواصل مع الناس هي تلك المنحة الإلهية التي لا يمكن إخضاعها للتفسير العلمي، لكن حالة صدق وسعادة ينقلها للجمهور، طريقة أداء إسماعيل ياسين دفعته ليقدم دائماً إسماعيل ياسين ليس معنى ذلك أنك تشاهد إسماعيل ياسين الإنسان أمام الكاميرا.
لكنك تشاهد شخصية درامية واحدة تتكرر بتنويعات متقاربة في أغلب الأفلام، الناس تذهب إلى أفلامه فقط لأنه إسماعيل ياسين، هم موقنون تماماً أنهم دفعوا ثمن التذكرة لمن يستحق، ولم يخذلهم، والآن بعد مرور كل هذه العقود، أعاده هذا المشهد في مسلسل (موسى) للصدارة مجدداً، لنتأكد أنه لا يزال وبحق وحقيق (نمبر وان)!