حكم الاقتراض لقضاء فريضة الحج: بين الجواز والاحتياط
تعتبر فريضة الحج الركن الخامس من أركان الإسلام، وهي واجبة على كل مسلم بالغ عاقل مستطيع. والاستطاعة هنا تشمل القدرة المالية والبدنية. لكن قد يواجه البعض شغفًا لأداء هذه الفريضة مع عدم توفر المال الكافي، مما يطرح سؤالًا حول حكم الاقتراض لأجل الحج.
رأي جمهور الفقهاء في عدم الوجوب:
يتفق جمهور الفقهاء على أنه لا يجب على المسلم الاقتراض لأداء فريضة الحج. فالاستطاعة المالية شرط أساسي للوجوب، والشخص الذي لا يملك المال الكافي ويحتاج إلى الاقتراض يعتبر غير مستطيع في الأصل. وقد استدلوا بقول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} (آل عمران: 97). فالآية تربط الوجوب بالاستطاعة، والاقتراض يُنشئ دينًا على الشخص، مما قد يجعله غير مستطيع حقيقةً.
وقد روي عن بعض السلف النهي عن الاقتراض للحج، كما ورد عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يستقرض ويحج؟ قال: “يَسْتَرْزِقُ اللَّهَ وَلَا يَسْتَقْرِضُ”.
جواز الاقتراض بشروط:
مع ذلك، أجاز بعض العلماء الاقتراض للحج بشروط وضوابط محددة، أهمها:
القدرة على السداد: أن يكون لدى المقترض قدرة حقيقية على سداد الدين في وقته المحدد، سواء كان ذلك من راتبه أو من مصدر دخل آخر يغلب على ظنه استمراره.
رضا المُقرض: أن يكون المُقرض راضيًا بإقراضه المال للحج وعالمًا بغرض الاقتراض.
عدم ترتب ضرر على النفس أو العيال: ألا يؤدي الاقتراض إلى إلحاق ضرر مالي أو معيشي بالمقترض أو بمن يعولهم.
أن يكون القرض حسنًا (بدون فوائد): إذا كان الاقتراض بفائدة ربوية، فإنه محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، ولا يجوز الإقدام عليه لأجل الحج أو غيره.
وقد استدل المجيزون بما ورد عن بعض السلف أنهم لم يروا بأسًا في الحج بالدين إذا كان للمقترض وفاء به. كما أن النية الحسنة والشوق إلى بيت الله الحرام قد يكونان دافعًا مشروعًا لمن يثق بقدرته على الوفاء.
الخلاصة والتوصية:
بناءً على أقوال العلماء، فإن الأصل هو عدم وجوب الاقتراض للحج لمن لا يملك المال الكافي. بل إن بعضهم يرى كراهة ذلك إذا لم تكن هناك قدرة واضحة على السداد.
ومع ذلك، يجوز الاقتراض للحج بشروط وضوابط دقيقة: إذا كان لدى الشخص قدرة حقيقية على سداد الدين دون مشقة أو ضرر، وكان القرض حسنًا، ورضي به المُقرض.
نصيحة أخيرة: قبل الإقدام على الاقتراض للحج، ينبغي للمسلم أن يزن الأمر جيدًا، وأن يستشير أهل العلم والخبرة، وأن يضع في اعتباره قدرته المالية الحالية والمستقبلية. الشوق إلى الحج أمر محمود، ولكن عدم الاستطاعة المالية هو عذر شرعي لعدم الوجوب. التيسير ورفع الحرج من مقاصد الشريعة الإسلامية.














