“قلب آمن.. جراحة ناجحة: لماذا يجب على أطباء القلب والجراحة فحص مرضى السكري بدقة قبل أي تدخل جراحي أو قسطرة؟ (تحذير من معهد القلب)”
أكد نائب عميد معهد القلب في تصريح هام على الضرورة القصوى لدراسة حالة مرضى السكري بشكل شامل ودقيق قبل الخضوع لأي إجراء جراحي أو قسطرة قلبية. هذا التأكيد يأتي انطلاقًا من العلاقة المعقدة والمتشابكة بين مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية، حيث يزيد مرض السكري من خطر الإصابة بمضاعفات خطيرة أثناء وبعد الجراحة أو القسطرة. تجاهل هذه الدراسة المتأنية يمكن أن يعرض حياة المريض للخطر ويقلل من فرص نجاح الإجراء. في هذه المقالة، سنتناول بالتفصيل الأسباب التي تجعل دراسة حالة مريض السكري قبل الجراحة والقسطرة أمرًا حيويًا، والمخاطر المحتملة في حال عدم القيام بذلك، والفحوصات والتقييمات اللازمة، وأهمية التعاون بين أطباء القلب والجراحة والغدد الصماء لضمان أفضل النتائج للمرضى.
العلاقة المعقدة بين مرض السكري والقلب والأوعية الدموية:
يعتبر مرض السكري من الأمراض المزمنة التي تؤثر على العديد من أجهزة الجسم، ويعد الجهاز القلبي الوعائي من أكثر الأجهزة تأثرًا. هناك عدة آليات تجعل مرضى السكري أكثر عرضة لمشاكل القلب والأوعية الدموية وتزيد من خطر المضاعفات أثناء وبعد الجراحة والقسطرة:
- اعتلال عضلة القلب السكري (Diabetic Cardiomyopathy): يمكن لارتفاع مستويات السكر في الدم على المدى الطويل أن يؤدي إلى تلف مباشر في عضلة القلب، مما يجعلها أقل قدرة على الانقباض والاسترخاء بكفاءة. هذا الاعتلال قد لا يظهر في المراحل المبكرة ولكنه يزيد من خطر قصور القلب ومضاعفات أخرى.
- تصلب الشرايين المتسارع (Accelerated Atherosclerosis): يؤدي مرض السكري إلى تسريع عملية تصلب الشرايين، حيث تتراكم الترسبات الدهنية داخل جدران الشرايين، مما يضيقها ويقلل من تدفق الدم إلى القلب والأعضاء الأخرى. هذا يزيد من خطر الإصابة بالذبحة الصدرية والنوبات القلبية والسكتات الدماغية ومشاكل الأوعية الدموية الطرفية.
- اعتلال الأعصاب اللاإرادي (Autonomic Neuropathy): يمكن لمرض السكري أن يتلف الأعصاب التي تتحكم في وظائف الجسم اللاإرادية، بما في ذلك معدل ضربات القلب وضغط الدم. هذا الاعتلال العصبي قد يؤثر على استجابة القلب للضغوط أثناء الجراحة والقسطرة وقد يزيد من خطر عدم انتظام ضربات القلب.
- زيادة خطر العدوى: مرضى السكري أكثر عرضة للإصابة بالعدوى، ويمكن أن تكون العدوى بعد الجراحة أو القسطرة أكثر خطورة وصعوبة في العلاج لديهم.
- تأخر التئام الجروح: قد يعاني مرضى السكري من تأخر في التئام الجروح بعد الجراحة، مما يزيد من خطر حدوث مضاعفات.
- تأثير الأدوية: قد تتفاعل أدوية السكري مع أدوية التخدير أو الأدوية المستخدمة أثناء وبعد الجراحة والقسطرة، مما يستدعي تعديل الجرعات أو تغيير الأدوية.
- قصور الكلى السكري (Diabetic Nephropathy): العديد من مرضى السكري يعانون من مشاكل في الكلى، مما قد يؤثر على قدرتهم على تحمل السوائل والأدوية المستخدمة أثناء وبعد الإجراءات.
المخاطر المحتملة لعدم دراسة حالة مريض السكري قبل الجراحة والقسطرة:
تجاهل الدراسة الشاملة لحالة مريض السكري قبل الجراحة أو القسطرة يمكن أن يؤدي إلى مضاعفات خطيرة تهدد حياة المريض وتقوض نجاح الإجراء:
- زيادة خطر النوبات القلبية والسكتات الدماغية: قد يؤدي الإجهاد الناتج عن الجراحة أو القسطرة إلى تفاقم مشاكل القلب والأوعية الدموية الموجودة لدى مرضى السكري، مما يزيد من خطر حدوث جلطات أو نقص تروية حاد في القلب أو الدماغ.
- عدم انتظام ضربات القلب الخطير: يمكن أن يؤثر اعتلال الأعصاب اللاإرادي على استقرار النظم الكهربائي للقلب أثناء وبعد الإجراء، مما يزيد من خطر حدوث اضطرابات خطيرة في ضربات القلب.
- فشل وظائف الكلى الحاد: قد يؤدي استخدام بعض الأدوية أو الصبغات المستخدمة في القسطرة إلى تفاقم مشاكل الكلى الموجودة أو التسبب في فشل كلوي حاد لدى مرضى السكري الذين يعانون بالفعل من قصور في الكلى.
- زيادة خطر العدوى الشديدة: ضعف الجهاز المناعي لدى بعض مرضى السكري يزيد من خطر الإصابة بالعدوى في موقع الجراحة أو القسطرة أو حتى عدوى جهازية.
- تأخر التئام الجروح ومضاعفاته: قد يؤدي تأخر التئام الجروح إلى زيادة خطر حدوث التهابات وتقرحات ومضاعفات أخرى تتطلب تدخلات إضافية.
- تفاعلات دوائية غير متوقعة: قد تحدث تفاعلات خطيرة بين أدوية السكري والأدوية المستخدمة أثناء وبعد الإجراء، مما قد يؤثر على فعالية العلاج أو يزيد من خطر الآثار الجانبية.
- عدم استقرار مستويات السكر في الدم: يمكن أن يؤدي الإجهاد الناتج عن الجراحة أو القسطرة إلى تقلبات كبيرة في مستويات السكر في الدم، مما يزيد من خطر حدوث مضاعفات مثل الحماض الكيتوني السكري أو فرط سكر الدم أو نقص سكر الدم.
الفحوصات والتقييمات اللازمة لمريض السكري قبل الجراحة والقسطرة:
لتقليل هذه المخاطر وضمان أفضل النتائج، يجب أن يخضع مرضى السكري لتقييم شامل قبل أي إجراء جراحي أو قسطرة، يشمل ما يلي:
- التاريخ الطبي الشامل والفحص السريري: يجب على الطبيب الحصول على تاريخ مفصل عن مرض السكري (مدة الإصابة، مستوى التحكم في السكر، وجود مضاعفات أخرى)، والأمراض القلبية الوعائية المعروفة، والأدوية التي يتناولها المريض، وأي حساسية أو مشاكل صحية أخرى. يجب إجراء فحص سريري شامل لتقييم الحالة العامة للمريض.
- تقييم مستوى التحكم في السكر: يجب قياس مستوى السكر التراكمي (HbA1c) لتقييم متوسط مستوى السكر في الدم على مدى الأشهر الثلاثة الماضية. يجب أن يكون مستوى السكر تحت السيطرة قدر الإمكان قبل الإجراء. قد يتطلب ذلك تعديل أدوية السكري أو تأجيل الإجراء إذا كان مستوى السكر غير مستقر.
- تقييم وظائف القلب:
- تخطيط كهربية القلب (ECG): لتقييم النشاط الكهربائي للقلب والكشف عن أي علامات لنقص التروية أو عدم انتظام ضربات القلب.
- مخطط صدى القلب (Echocardiogram): لتقييم حجم ووظيفة عضلة القلب والصمامات والكشف عن أي اعتلال في عضلة القلب السكري أو مشاكل أخرى في القلب.
- اختبار الجهد (Stress Test): في بعض الحالات، قد يلزم إجراء اختبار جهد لتقييم كيفية استجابة القلب للإجهاد.
- تصوير الأوعية الدموية (Angiography): إذا كان هناك اشتباه في وجود تضيقات في الشرايين التاجية، قد يلزم إجراء تصوير الأوعية الدموية قبل الجراحة غير القلبية عالية الخطورة.
- تقييم وظائف الكلى: يجب قياس مستوى الكرياتينين في الدم ومعدل الترشيح الكبيبي (GFR) لتقييم وظائف الكلى والكشف عن أي اعتلال كلوي سكري. قد يتطلب ذلك اتخاذ احتياطات خاصة أثناء وبعد الإجراء لتجنب تفاقم مشاكل الكلى.
- تقييم حالة الأعصاب الطرفية واللاإرادية: قد يلزم إجراء تقييم للأعصاب الطرفية للكشف عن أي اعتلال عصبي قد يؤثر على التئام الجروح. قد يتم أيضًا تقييم وظائف الأعصاب اللاإرادية في بعض الحالات.
- تقييم عوامل خطر أخرى: يجب تقييم عوامل خطر أخرى لأمراض القلب والأوعية الدموية مثل ارتفاع ضغط الدم وارتفاع الكوليسترول والتدخين والسمنة.
- فحوصات الدم الأخرى: قد تشمل فحوصات الدم الأخرى تقييم مستويات الكهارل وعلامات الالتهاب وعوامل التخثر.
أهمية التعاون بين أطباء القلب والجراحة والغدد الصماء:
تتطلب إدارة مرضى السكري الذين يخضعون لجراحة أو قسطرة تعاونًا وثيقًا بين مختلف التخصصات الطبية:
- طبيب الغدد الصماء: يلعب دورًا حيويًا في تقييم مستوى التحكم في السكر وتعديل أدوية السكري قبل وبعد الإجراء.
- طبيب القلب: يقوم بتقييم وظائف القلب والأوعية الدموية وتحديد المخاطر القلبية المحتملة ووضع خطة لإدارتها.
- الجراح أو طبيب القسطرة: يجب أن يكون على دراية بحالة مريض السكري والمخاطر المحتملة وأن يخطط للإجراء بعناية لتقليل هذه المخاطر.
- طبيب التخدير: يجب أن يكون على دراية بأدوية السكري والمضاعفات المحتملة أثناء التخدير وأن يضع خطة تخدير آمنة للمريض.
يجب أن يتم تبادل المعلومات بين هؤلاء الأطباء بشكل فعال لضمان اتخاذ قرارات علاجية متكاملة وشاملة تخدم مصلحة المريض.
الخلاصة:
إن تصريح نائب عميد معهد القلب يؤكد على حقيقة بالغة الأهمية: دراسة حالة مريض السكري بدقة وتفصيل قبل إجراء أي جراحة أو قسطرة قلبية ليست مجرد توصية، بل هي ضرورة حتمية لضمان سلامة المريض وتقليل خطر حدوث مضاعفات خطيرة. إن العلاقة المعقدة بين مرض السكري وأمراض القلب والأوعية الدموية تستدعي تقييمًا شاملاً لوظائف القلب والكلى ومستوى التحكم في السكر والأعصاب وعوامل الخطر الأخرى. التعاون الوثيق بين أطباء القلب والجراحة والغدد الصماء هو مفتاح تقديم أفضل رعاية ممكنة لهؤلاء المرضى وتحقيق أفضل النتائج المرجوة من الإجراءات الطبية. تجاهل هذه الدراسة المتأنية يمكن أن يكون له عواقب وخيمة، بينما الالتزام بها يمثل خطوة حاسمة نحو قلب آمن وجراحة ناجحة وحياة أفضل لمرضى السكري