عبد الحليم حافظ كان سيغني (مهرجانات) بأسلوب العندليب!

إيفينت, هام

0:00

عبد الحليم حافظ كان سيغني (مهرجانات) بأسلوب العندليب!

 بقلم : طارق الشناوي

tarekelshinnawi@yahoo.com

لا يزال رغم مرور 44 عاماً على رحيله هو (المانشيت)، وهو أيضاً (الألفة)، كانت لديه القدرة على الإبداع، ورفض القديم من الفن بإبداع فن عصري، أمتلك بوصلة للاتجاه إلى الأصدق والأجمل والأكثر عصرية ونجومية بالثقافة والوعي أتحدث قطعاً عن (ترمومتر) الحياة الغنائية (عبد الحليم حافظ).

كان أحمد شوقي أمير الشعراء يقول (إنه يمتص رحيق الزهور ليعطي عسلاً شهياً)! والزهور في حياة الفنان هم الأصدقاء المقربون الذي يتحوّلون إلى أشرعة يطل من خلالها الفنان على الدنيا. كان الشيخ الملحن أبو العلا محمد ثم الشاعر أحمد رامي هما شباك الثقافة الذي أطلت منه أم كلثوم على كل ثقافات الدنيا.

وكان أحمد شوقي هو دليل عبد الوهاب في بداياته مع مطلع العشرينيات من القرن الماضي في التذوق الفني وفي تذوق الحياة، ومن الواضح أن عبد الحليم استفاد من تجربتي أم كلثوم وعبد الوهاب، ولهذا اتسعت دائرته في الثقافة، لتشمل العمالقة كامل الشناوي ومصطفى أمين وإحسان عبد القدوس ويوسف السباعي وغيرهم من الأجيال القادمة.

هذه الكوكبة من المفكرين لم يسع إليها عبد الحليم، لأنه يريد أن يجمل صورته أمام المجتمع، لكن من خلالهم أدرك أن عليه تذوق الكلمات والألحان وأيضاً الأقوال. هناك دائماً بين الفنان وجمهوره جسر، وهو وسيلة الإعلام التي تقدم عنه صورة ذهنية، حتى إن أغلب المطربين لكي يضمنوا تعاطف الجمهور.

كانوا يقدمون في أفلامهم قصة كفاح لمطرب يبدأ من السفح حتى يصل للقمة ويضحي ولا يتنازل، كل ذلك حتى يتم تثبيت هذه الصورة ليس فقط من خلال أحاديثهم، لكن عبر الأفلام من أجل أن يحدث توحد في العادة بين الفنان في الواقع مع تلك الصورة، التي قدمت في العمل الفني.

وإذا كان الزمن قد منح الجمهور قدرة على ألا يترك نفسه نهباً للصورة الدرامية التي تقدمها الأفلام فإنه على الجانب الآخر ترك المجال لكي نرصد الفنانين من خلال إبداعهم.

وأيضاً طريقة تسويقهم لهذا الإبداع والإعلان عنه والأسلوب والتوقيت، بعد تعدد الفضائيات صار الناس يتعرفون على الفنان من خلال اللقاءات التليفزيونية، وكثيراً ما يسيء مطربو هذا الجيل استخدام هذه الوسيلة!

من البديهي على سبيل المثال أن يأتي الفنان لكي يقدم رؤية مغايرة لما سبق، ولا توجد قدسية لأي عمل فني، هناك فقط حق احترام التجربة السابقة..

أنا لا أوافق على أن نظل في حالة إذعان مفرط لكل ما هو ماض، إنه ماض نحترمه نعم، لكننا أبداً لا نطبقه بكل حذافيره.

الفنان عبد الحليم حافظ لم يرفض فقط القديم، لكنه سخر منه، رفض عبد الحليم في البداية أن يعيد تقديم أغنيات عبد الوهاب القديمة، وأصر على أن يردد أغنياته هو مثل “صافيني مرة” و”يا تبر سايل بين شطين يا حلو يا سمر” تلحين محمد الموجي.

وعندما قدم فيلمه “أيام وليالي” غنى “يا سيدي أمرك أمرك يا سيدي” التي كتبها فتحي قورة، ولحنها محمود الشريف، وهي أقرب إلى روح (المونولوج) الفكاهي.

تسخر من عدد كبير من الأغنيات والقصائد والأدوار القديمة لأم كلثوم والشيخ أبو العلا محمد ومحمد عثمان وعبد الحامولي وسيد درويش وصالح عبد الحي!

ولهذا، فإن عبد الحليم يقول في نهاية المونولوج مواصلاً السخرية، (خايف أقول على قد الشوق لتطلع روحي) يقصد بالطبع أغنية (على قد الشوق) تلحين كمال الطويل وتأليف محمد علي أحمد التي رددها عبد الحليم حافظ في أول أفلامه (لحن الوفاء).

وكانت تمثل في ذلك الحين نقلة موسيقية، حققت لعبد الحليم شهرة عريضة، واتهم بعدها أنه يقدم أغنية غربية. لم يكتف عبد الحليم بأن يقول في حديث صحفي إنه يرفض الإذعان المطلق للقديم، لكنه امتلك القدرة على أن يعلن ذلك في أغنية شهيرة عام 1955.

كان عبد الحليم حافظ شديد الاعتناء بالكلمات، واختيارها حتى لو اختلفنا مع عدد من أغنياته، إلا أنه على سبيل المثال يقول بكلمات مرسي جميل عزيز في أغنية (في يوم في شهر في سنة/ وعمر جرحي أنا أطول من الأيام).

أو هو يقدم تلك الصورة الشاعرية الرائعة لحسين السيد (كان فيه زمان قلبين الحب تالتهم)، أو مع مأمون الشناوي وهو يقول في أغنية (في يوم من الأيام/ أنا كل طريق لعيوني علمته بذكرى معاك)!.

وأتذكر لمحمد حمزة في أغنية (سواح) تعبير (الليل يقرب والنهار رواح)، ومع الأبنودي في “أحضان الحبايب” (رميت نفسك في حضن/ سقاك الحضن حزن)!.

الكلمة عند عبد الحليم كانت تشكل بالنسبة له رهاناً على الأجود، وكانت لدى عبد الحليم بوصلة قادرة على أن تلتقط الجديد، ويجمل به حديقته الغنائية، ولهذا بعد الموجي والطويل ومنير مراد ينضم إليهم بليغ حمدي.

ولو امتد العمر بعبد الحليم حافظ، فلا شك أنه كان سوف يتعاون مع عمر خيرت وصلاح الشرنوبي وعمار الشريعي والراحل رياض الهمشري ومحمد ضياء الدين وصولاً إلى وليد سعد.

ومع الشعراء من أمثال بهاء الدين محمد وفاطمة جعفر وعماد حسن وبهاء جاهين وجمال بخيت وأحمد بخيت ونادر عبد الله وكوثر مصطفى والمبدع الذي رحل مبكراً عصام عبد الله وأيضاً أيمن بهجت قمر صاحب المفردات الشاعرية والعصرية المشاغبة وأيضاً مع أمير طعيمة، ولم يكن سيعلنها حرباً على أغاني المهرجانات، بل كان سيغني مهرجانات بأسلوب عبد الحليم!

عبد الحليم كان ينتقي وبنسبة كبيرة مفرداته التي يتعامل بها مع الحياة الإعلامية، على الجانب الآخر عندما تقرأ أحاديث لعدد من مطربي هذا الجيل لا تتجاوز مفرداتهم كلمات “عليا الحرام وعليا النعمة ورحمة أبويا وما تخليناش نقل أدبنا”.

هذه هي مع الأسف المفردات التي يستخدمونها بكل بساطة في أحاديثهم، وذلك لأننا بصدد فنانون غالباً معزولون عن شبابيك الثقافة الحقيقية لا تجده في دائرتهم كبار الكتاب والمفكرين.

ولا تشعر بأن أحدهم قد قرأ حتى ديوان شعر لنزار قباني أو السياب أو أدونيس أو فاروق جويدة أو قرأ رواية لنجيب محفوظ أو يوسف إدريس أو حنا مينا!.

كان عبد الحليم حافظ قادراً على تسويق فنه، بينما لا يترك الآخرون فرصة إلا ويعملون على – تسويء – أنفسهم!