ما بعد التشخيص: دور الأهل والدعم النفسي في رحلة الطفل المتأتئ
مقدمة: عندما يتم تشخيص الطفل بالتأتأة المزمنة، يتحول التركيز من سؤال “ما هي التأتأة؟” إلى “كيف ندعم طفلنا؟”. يعد الدعم الأسري والبيئة المريحة عاملاً لا يقل أهمية عن التدخل العلاجي المتخصص في مساعدة الطفل على إدارة اضطراب طلاقته وتقليل آثاره النفسية والاجتماعية.
متى يجب القلق والتوجه للعلاج؟ بينما يفضل الأخصائيون مبدأ “الانتظار والمراقبة النشطة” للحالات الخفيفة والمؤقتة، يصبح التدخل العلاجي ضرورياً في الحالات التالية:
- استمرار الأعراض: إذا استمرت التأتأة لمدة تزيد عن 6 أشهر.
- نوع الأعراض: إذا كانت تتضمن تكراراً للأصوات أو إطالة ملحوظة (تأتأة أساسية) بدلاً من تكرار الكلمات (تأتأة طبيعية).
- التوتر الجسدي: ظهور حركات ثانوية مصاحبة للكلام (تعبيرات وجه متوترة، رمش مفرط، شد الرقبة).
- الآثار النفسية: إذا بدأ الطفل يتجنب الكلام، أو يشعر بالإحباط، أو يرفض المشاركة في المواقف الاجتماعية خوفاً من التلعثم.
الرعاية الداعمة ودور الوالدين: لا يعني العلاج بالضرورة “إزالة” التأتأة بالكامل، بل تعليم الطفل مهارات لتقليل شدتها، والتعامل معها بفعالية، والأهم هو بناء الثقة بالنفس. إليكِ أهم النقاط لدور الأهل:
- الاستماع بتركيز وهدوء: عند تحدث الطفل، يجب على الوالدين الحفاظ على اتصال بصري طبيعي ومنح الطفل الوقت الكافي لإنهاء جملته دون مقاطعة أو استعجال. تجنبي إكمال الكلمات نيابة عنه.
- خلق بيئة هادئة: تحدثي مع طفلك ببطء ووضوح وهدوء، فهذا يشجع الطفل على تقليد الإيقاع المريح للكلام. الضغط والتوتر يزيدان من شدة التأتأة.
- التعليق على المحتوى لا الكيفية: ركزي على ما يقوله طفلك (المحتوى) بدلاً من كيفية قوله (الطلاقة). على سبيل المثال، “هذه قصة رائعة!” بدلاً من “تحدثت جيداً هذه المرة!”.
- التعبير الصريح والتقبّل: لا يجب التظاهر بأن المشكلة غير موجودة. يمكن التحدث مع الطفل بصراحة حول التأتأة، مع التأكيد على تقبّلها كجزء منه، وأنها لا تقلل أبداً من ذكائه أو قيمته.
العلاج التخصصي (Speech Therapy): يعتبر أخصائي النطق واللغة هو الركن الأساسي في العلاج. تشمل الأساليب العلاجية الحديثة:
- تشكيل الطلاقة (Fluency Shaping): لتعليم الطفل طريقة جديدة في الكلام أكثر سلاسة، مثل البدء بهدوء أو إبطاء معدل النطق.
- تعديل التأتأة (Stuttering Modification): لمساعدة الطفل على تقليل التوتر الجسدي المرتبط بالتأتأة، وتغيير ردة فعله تجاه التلعثم لجعله أقل شدة.
خاتمة: التأتأة هي اضطراب معقد لا يقتصر على الكلام فقط، بل يمتد ليشمل الجوانب النفسية والاجتماعية. من خلال الفهم العميق، والتدخل العلاجي المناسب، والدعم الأسري المتواصل، يمكن للطفل المتأتئ أن يطور مهارات تواصل ناجحة وأن يعيش حياة طبيعية بثقة تامة.