“وهم أخضر.. وحقيقة مرة: دراسة صادمة تكشف عن المواد السامة الخفية في البلاستيك ‘القابل للتحلل’ وتثير تساؤلات حول جدوى الحلول الزائفة للتلوث البلاستيكي – تحليل شامل للمخاطر البيئية والصحية المحتملة لما يسمى بالبلاستيك الحيوي والقابل للتحلل”
لطالما رُوِّج للبلاستيك القابل للتحلل على أنه بديل صديق للبيئة للبلاستيك التقليدي، كحل واعد لمشكلة التلوث البلاستيكي المتفاقمة التي تهدد كوكبنا. الفكرة تبدو جذابة: مواد تتحلل بشكل طبيعي في البيئة، مما يقلل من تراكم النفايات البلاستيكية التي تستغرق مئات السنين لتتلاشى. ومع ذلك، كشفت دراسة حديثة نتائج مقلقة تلقي بظلال من الشك على هذه الصورة الوردية. فقد توصل الباحثون إلى أن العديد من أنواع البلاستيك القابل للتحلل تحتوي على مواد كيميائية سامة قد تضر بالبيئة وصحة الإنسان عند تحللها. هذا الاكتشاف الصادم يثير تساؤلات جوهرية حول جدوى الاعتماد على هذه المواد كحل حقيقي لأزمة التلوث البلاستيكي، ويسلط الضوء على الحاجة إلى تقييم دقيق وشامل لآثارها البيئية والصحية على المدى الطويل. في هذه المقالة الشاملة، سنتعمق في تفاصيل هذه الدراسة الهامة، ونستعرض أنواع البلاستيك القابل للتحلل التي تم فحصها والمواد السامة التي تم العثور عليها، ونحلل المخاطر البيئية والصحية المحتملة الناتجة عن تحللها، بالإضافة إلى مناقشة البدائل المستدامة الحقيقية التي يمكن أن تقلل بشكل فعال من التلوث البلاستيكي دون تعريض البيئة وصحتنا للخطر.
وعد كاذب؟ جاذبية البلاستيك القابل للتحلل:
تزايد القلق العام بشأن التلوث البلاستيكي دفع الشركات والمستهلكين على حد سواء للبحث عن بدائل أكثر استدامة للمواد البلاستيكية التقليدية المشتقة من الوقود الأحفوري. ظهر البلاستيك القابل للتحلل كحل واعد، حيث يتم تسويقه على أنه قادر على التحلل في البيئة تحت ظروف معينة، سواء من خلال التحلل الحيوي بواسطة الكائنات الحية الدقيقة أو من خلال التحلل في مرافق التسميد الصناعية. هذا التصور جعل المستهلكين يشعرون بالراحة عند استخدام هذه المنتجات، معتقدين أنهم يساهمون في الحفاظ على البيئة.
الدراسة الصادمة.. السموم الخفية في البلاستيك “الأخضر”:
الدراسة الحديثة التي نتناولها هنا قامت بتحليل مجموعة متنوعة من المنتجات البلاستيكية التي تحمل علامات “قابلة للتحلل” أو “حيوية” أو “قابلة للتسميد”. وقد فحص الباحثون التركيب الكيميائي لهذه المواد وتتبعوا عملية تحللها في ظروف مختلفة. النتائج كانت مقلقة، حيث تبين أن العديد من هذه المنتجات تحتوي على مواد كيميائية مضافة، بما في ذلك المعادن الثقيلة والمواد البلاستيكية الدقيقة والمواد الكيميائية العضوية الاصطناعية، والتي يمكن أن تتسرب إلى البيئة أثناء عملية التحلل.
ما هي المواد السامة التي تم العثور عليها؟
تنوعت المواد السامة التي تم اكتشافها في البلاستيك القابل للتحلل في الدراسة، وشملت على سبيل المثال:
- المعادن الثقيلة: مثل الرصاص والكادميوم والزئبق، والتي يمكن أن تتراكم في التربة والمياه وتضر بالكائنات الحية والنظام البيئي.
- المواد البلاستيكية الدقيقة (Microplastics): حتى البلاستيك القابل للتحلل يمكن أن يتفتت إلى جزيئات بلاستيكية صغيرة جدًا أثناء التحلل، والتي يمكن أن تدخل السلسلة الغذائية وتؤثر على صحة الإنسان والحيوان.
- المواد الكيميائية العضوية الاصطناعية: بعض المواد المضافة لتحسين خصائص البلاستيك القابل للتحلل يمكن أن تكون سامة وتستمر في البيئة لفترة طويلة بعد تحلل البلاستيك نفسه. بعض هذه المواد قد تكون موادًا مسببة لاضطرابات الغدد الصماء أو مواد مسرطنة محتملة.
المخاطر البيئية والصحية المحتملة:
تثير هذه النتائج مخاوف جدية بشأن الآثار البيئية والصحية المحتملة للبلاستيك القابل للتحلل:
- تلوث التربة والمياه: تسرب المواد السامة أثناء التحلل يمكن أن يلوث التربة والمياه الجوفية، مما يؤثر على الزراعة ومصادر المياه الطبيعية وصحة الكائنات الحية التي تعتمد عليها.
- تراكم المواد البلاستيكية الدقيقة: حتى لو تحلل البلاستيك القابل للتحلل إلى جزيئات صغيرة، فإن هذه الجزيئات البلاستيكية الدقيقة يمكن أن تستمر في البيئة وتدخل السلسلة الغذائية، مما يشكل خطرًا على صحة الإنسان والحيوان.
- إطلاق غازات سامة: في بعض ظروف التحلل، قد يطلق البلاستيك القابل للتحلل غازات سامة تساهم في تلوث الهواء.
- تأثيرات غير معروفة على المدى الطويل: لا يزال تأثير تحلل هذه المواد على المدى الطويل على النظم البيئية وصحة الإنسان غير مفهوم تمامًا، وهناك حاجة إلى مزيد من البحث لتقييم هذه المخاطر بشكل كامل.
- تضليل المستهلكين: التسويق المضلل للبلاستيك القابل للتحلل على أنه حل “أخضر” قد يثبط الجهود المبذولة لتقليل استهلاك البلاستيك بشكل عام والتحول إلى بدائل أكثر استدامة حقيقية.
أنواع البلاستيك القابل للتحلل التي يجب الانتباه إليها:
من المهم التمييز بين أنواع مختلفة من البلاستيك القابل للتحلل، حيث أن بعضها قد يكون أكثر ضررًا من غيره:
- البلاستيك الحيوي (Bioplastics): مشتق من مصادر متجددة مثل الذرة وقصب السكر، ولكنه ليس بالضرورة قابلًا للتحلل. بعض أنواع البلاستيك الحيوي قابلة للتحلل، بينما البعض الآخر يتصرف مثل البلاستيك التقليدي.
- البلاستيك القابل للتحلل (Biodegradable Plastics): مصمم ليتحلل بواسطة الكائنات الحية الدقيقة، ولكن قد يتطلب ظروفًا محددة وقد يترك وراءه مواد سامة.
- البلاستيك القابل للتسميد (Compostable Plastics): مصمم ليتحلل في مرافق التسميد الصناعية تحت ظروف محددة من درجة الحرارة والرطوبة ووجود الكائنات الحية الدقيقة، وينتج سمادًا عضويًا. ومع ذلك، حتى هذا النوع قد يحتوي على مواد مضافة مثيرة للقلق.
- بلاستيك أوكسو-ديجرادابل (Oxo-degradable Plastics): يحتوي على مواد مضافة تجعله يتفتت إلى قطع صغيرة (بلاستيك دقيق) بشكل أسرع عند تعرضه للأكسجين والحرارة والضوء، ولكنه لا يتحلل بيولوجيًا بشكل كامل وقد يساهم في تلوث البلاستيك الدقيق. يعتبر هذا النوع من البلاستيك الأكثر إثارة للقلق وقد تم حظره في بعض البلدان.
ما هي البدائل المستدامة الحقيقية؟
بدلاً من الاعتماد على حلول “وهمية” مثل بعض أنواع البلاستيك القابل للتحلل، يجب التركيز على استراتيجيات أكثر فعالية واستدامة للحد من التلوث البلاستيكي:
- تقليل الاستهلاك: الخطوة الأكثر أهمية هي تقليل كمية البلاستيك التي نستخدمها في المقام الأول. اختر المنتجات ذات الحد الأدنى من التعبئة والتغليف، واستخدم الأكياس والحاويات القابلة لإعادة الاستخدام.
- إعادة الاستخدام: استخدم المنتجات القابلة لإعادة الاستخدام بدلاً من المنتجات ذات الاستخدام الواحد. احمل معك زجاجة ماء قابلة لإعادة الاستخدام، وكوب قهوة، وأكياس تسوق.
- إعادة التدوير الفعال: دعم وتحسين أنظمة إعادة التدوير لزيادة معدلات إعادة تدوير البلاستيك التقليدي بشكل فعال وآمن.
- البحث والتطوير في مواد بديلة مستدامة: دعم الابتكار في تطوير مواد جديدة قابلة للتحلل حقًا وغير سامة ومشتقة من مصادر مستدامة.
- دعم السياسات واللوائح: الدعوة إلى سياسات حكومية وتشريعات تهدف إلى تقليل إنتاج واستهلاك البلاستيك وتشجيع البدائل المستدامة.
- زيادة الوعي العام: تثقيف المستهلكين حول مشكلة التلوث البلاستيكي وخياراتهم المستدامة.
الخلاصة:
تكشف الدراسة الصادمة عن أن البلاستيك القابل للتحلل ليس دائمًا الحل “الأخضر” الذي يُروج له، وأنه قد يحتوي على مواد سامة تشكل خطرًا على البيئة وصحة الإنسان عند تحلله. هذه النتائج تدعونا إلى إعادة تقييم افتراضاتنا حول هذه المواد والتحلي بحذر عند اختيار المنتجات التي تحمل علامات “قابلة للتحلل”. بدلاً من الاعتماد على حلول زائفة، يجب أن نركز جهودنا على تقليل استهلاك البلاستيك بشكل جذري، وإعادة استخدامه وإعادة تدويره بشكل فعال، ودعم تطوير بدائل مستدامة حقيقية وغير سامة. الوعي والمعرفة والعمل الجماعي هي المفتاح لمواجهة أزمة التلوث البلاستيكي وحماية كوكبنا للأجيال القادمة