جيهان السادات لم تخف شيئاً عن الرأي العام
شيء في قلمي : طارق الشناوي
كرّم الرئيس عبد الفتاح السيسي السيدة جيهان السادات بأرفع الأوسمة (وسام الكمال) من طبقة الامتياز، وهو نفس الوسام الذي أنعم به في مطلع الأربعينيات الملك فاروق على الفنانة الكبيرة أم كلثوم.
السيدة جيهان السادات من أكثر الشخصيات النسائية التي حظيت بمكانة وتقدير في الوجدان الشعبي الجمعي، حتى إن خصوم السادات من السياسيين أمثال محمد حسنين هيكل وغيره، كانوا يحرصون على الإشادة بها في كثير من المواقف.
والحديث عن جيهان السادات يتيح لنا أن نتأمل موقفها المعلن في الإطلالة على الرئيس السادات، بكل جوانبه حتى الخاص منها، حكى لي المخرج محمد خان أنه أثناء إعداد فيلم (أيام السادات) بطولة أحمد زكي، لم تمانع في الإجابة عن أي سؤال يتعلق بالرئيس أنور السادات، تجاوزت الحساسية الشائكة بين الخاص والعام، هل تذوب الفوارق بينهما؟
لو أننا بصدد الحديث عن شخصيات عامة سياسية أو فنية هل يظل الخاص خاصاً والعام عاماً؟ هل رسائل الفنانين الشخصية تصبح مشاعاً بعد رحيلهم، أم أن ما كان سراً في حياتهم ينبغي أن يظل سراً بعد الغياب، السيدة جيهان أذابت تماماً تلك الفوارق؟!
بينما أضرمت مثلاً السيدة نهلة القدسي النيران في كل الرسائل التي أرسلها لها الموسيقار محمد عبد الوهاب، واعتبرتها من الأسرار التي لا يجوز لأحد الاطلاع عليها.
على الجانب الآخر، حرصت السيدة جيهان السادات على الاحتفاظ بهذه الرسائل، بل وقرأت بعضها في أكثر من حوار تليفزيوني وإذاعي، وأشهرها مع الإعلامية منى الشاذلي.
السيدة نهلة أعلنت وبكل فخر قبل سنوات قليلة من رحيلها، أنها جمعت كل هذه الخطابات، ووضعتها في ماء الكولونيا الباريسي العطر المفضّل لموسيقار الأجيال، ثم أشعلت فيها عود الثقاب.
قررت تنفيذ حكم الإعدام في هذه الأوراق المتبادلة بينهما وقالت إنها مع مرور السنوات شعرت بقدر من الخوف، ربما تقع هذه الأوراق في أيدي الأحفاد، ثم يكتشفون أن جدتهم وجدهم كانا يتبادلان خطابات الغرام والعتاب، ولهذا كان ينبغي التخلص السريع منها، واختارت نهلة القدسي لحظة شديدة الرومانسية، وهي ليلة الاحتفال بيوم ميلاد الموسيقار الكبير 13 مارس لتنفيذ خطتها.
اعتبرت نهلة أن هذه الخطابات هي شأن خاص بينها وبين عبد الوهاب، حيث إن ما يربطه بجمهوره هو أغنياته، وهي لم تفرّط في هذه الأغنيات، وحافظت عليها، لكن الأوراق الشخصية ملك لها وحدها!
كل مقتنيات الفنان مع مرور الزمن تتحوّل إلى مزار وليس مجرد ألحانه أو مؤلفاته الأدبية أو لوحاته، سيدة الغناء العربي أم كلثوم احتفظت أسرتها بمنديلها الشهير ونظارتها السوداء، وقبل بضع سنوات جرى التبرع بهما في مزاد علني ذهبت حصيلته لمكافحة الجوع.
جبران خليل جبران شاعر وكاتب المهجر، هذا الفنان الذي كان يجمع بين موهبة الشاعر والفنان التشكيلي وحكمة الفيلسوف، لم يتم الاكتفاء بأدبه سواء الذي كتبه بالعربية أو الإنجليزية، بل كل مقتنياته جرى الاحتفاظ بها.
وبالطبع فلقد صدرت رسائله الغرامية التي كتبها للأديبة اللبنانية مي زيادة في كتاب، والمنضدة التي شهدت إبداعه وأدوات الكتابة والفرشاة كلها مع الزمن تصبح شهوداً على هذه العبقرية الاستثنائية، ولهذا تحوّلت هذه أيضاً إلى مزار أقيم له في لبنان مسقط رأسه!
خطابات عبد الوهاب ليست لها قيمة أدبية تقارب مثلاً برسائل كبار الأدباء، لكنها تظل جزءاً من هذا الفنان الكبير، تستمد قيمتها من كونها صدرت عنه، بينما كل تفاصيل الرئيس السادات وصوره الخاصة مثلاً وهو يحلق ذقنه مرتدياً ملابس خفيفة، كل هذه الصور وغيرها لم تمنعها الأسرة أبداً من التداول، وظلت السيدة جيهان حريصة على أن تظل باقية للأجيال القادمة.
السيدة جيهان السادات لم تكن فقط أول امرأة مصرية تنال لقب (سيدة مصر الأولى)، بل كانت نموذجاً ملهماً في كل مواقفها في الحياة، وهي زوجة الرئيس السادات، أو وهي أرملة الرئيس السادات، ظل لها دائماً في القلوب مكان ومكانة، ولهذا استحقت وعن جدارة أن يُنعم عليها الرئيس عبد الفتاح السيسي بوسام الكمال!