بتكوين وأخواتها .. هل المستقبل للعملات المشفرة؟
بنص لسان | بقلم : صبري ناجح
Sabry_nageh@yahoo.com
لا أريد أن أروّج لشيء غير مألوف أو غير معروف بدايته أو نهايته، غير أن هذا يتنافى مع المبادئ الأساسية للحياة، التي تروج لأفكار جديدة ومتجددة، يتلقى النظام الرأسمالي، المسيطر حالياً على مقاليد الحياة، ما يفيده منها بدعم وإعجاب، ويرفض غير ذلك.
البتكوين أو العملات المشفرة، تستطيع أن تقول ببساطة إنها وسيلة دفع إلكترونية أو نقود إلكترونية، ولا ريب في ذلك حتى الآن، لكن أن تشبّه وسيلة الدفع تلك بالذهب، فهذا أمر آخر، لأن المعدن الأصفر النفيس لا شبيه له من حيث القيمة والحجم والتعدين، بينما هناك كم من العملات المشفرة مطروح بالفعل في السوق وسيطرح غيرها في القريب العاجل.
وهناك شركات كبرى تدرس إصدار عملات مشفرة، مثل عملة ليبرا التي تعتزم فيسبوك إصدارها، غير أن بتكوين بلغت مستويات قياسية عند 65 ألف دولار للعملة الواحدة، وسط تنبؤات بأن تصل إلى 100 ألف دولار.
وبعد أن سجلت مستويات قياسية مرتفعة عند حوالي 65 ألف دولار في منتصف أبريل الماضي، هوت بتكوين أكثر من 25%. لكن العملة المشفرة الأكبر في العالم من حيث القيمة السوقية تتداول حاليا عند 59 ألف دولار.
واجتذبت ايثريوم، ثاني أكبر العملات المشفرة، تدفقات أسبوعية بلغت 34 مليون دولار، منتصف الشهر الماضي، ليرتفع إجمالي التدفقات منذ بداية العام إلى 792 مليون دولار وهو ما يعكس موجة جديدة من المعنويات الإيجابية بين المستثمرين.
وأفادت بيانات من كوينشيرز لإدارة العملات الرقمية، بأن التدفقات إلى صناديق ومنتجات العملات المشفرة بلغت 4.9 مليار دولار بحلول 16 أبريل، مع تباطؤ وتيرة الزيادة بعض الشيء في الأسبوعين الأولين من الشهر بعد بلوغ مستويات غير مسبوقة في الربع الأول من العام.
والرقم مرتفع حوالي 9% عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 4.5 مليار دولار في الشهور الثلاثة الأولى من العام.
كانت وتيرة التدفقات قد هدأت بالفعل في الربع الأول، وذلك بعد قفزة 240% في الربع الرابع من العام الماضي.
وتزداد أهمية بتكوين مع كل إعلان من بنك استثماري أو شركة كبرى تعترف بالتعامل بالعملة المشفرة، وتتعمق مجموعة “غولدمان ساكس” في السوق التي تبلغ قيمتها تريليون دولار، مما يوفر لمستثمري “وول ستريت” طريقة لوضع رهانات كبيرة.
قام البنك الأميركي مؤخرا بفتح التداول بعقود آجلة غير قابلة للتسليم، وهي مشتق مالي مرتبط بسعر بتكوين يدفع نقداً.
ويمنح هذا النوع من العقود للشركات فرصة الحماية من التقلبات الحادة للعملة المشفرة عن طريق شراء وبيع عقود بتكوين الآجلة في صفقات ضخمة في بورصة شيكاغو.
قدم غولدمان ساكس، الذي ما يزال غير نشط في سوق بتكوين الفوري، الخدمة الجديدة للعملاء في شهر أبريل الماضي، دون إعلان عام.
يوما بعد يوم ترسخ بتكوين مكانتها في النظام المالي العالمي، رغم اعتراض رؤساء دول وبنوك مركزية رئيسية حول العالم، لكن هذا يحدث في الوقت الحالي، بينما لا أحد يعرف ما سيحمله المستقبل لتلك العملات التي تأخذ الشرعية رويدا رويدا.
أضرار بتكوين
لكن يتبقى للقارئ الكريم أن يعرف أن البتكوين وأخواتها تهدد تواجدنا على كوكب الأرض، لأنها تضر المناخ أكثر مما نظن.
فنحن “الآن نستهلك طاقة كهربائية لتعدين البتكوين تتجاوز مجموع ما ينتجه العالم من الطاقة الشمسية، أي أن كل التقدم الذي يحققه الاقتصاد الأخضر يقضي عليه البتكوين وحده.
وبالطبع، معظم الطاقة الكهربائية المستخدمة لتعدين البتكوين تأتي من الوقود الأحفوري. ويؤدي تعدين البتكوين إلى انبعاث أكثر من 37 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون سنويا، وهو نفس ما تنتجه دولة بحجم سويسرا”.
وهذا ما كتبه ديفيد والاس ويلز، وهو مؤلف أحد أكثر الكتب رعباً حول شكل العالم بعد الاحترار (الأرض غير المأهولة).
وللتوضيح فإن العملات المشفرة تستخدم سلسلة الكتل، وهذه تحتاج إلى أجهزة عملاقة وسلفرات كثيرة، مما يتطلب توفير كهرباء ليلا ونهارا، وهذا ما يسمى تعدين بتكوين. وتوليد الكهرباء يأتي حاليا من محطات تعمل بالفحم أو النفط، اللذين يعدان من الملوثات المناخية، وفق كثير من الخبراء.
وبالطبع من الممكن أن يتحول تعدين البتكوين إلى “تعدين أخضر”، إذا ما تم توليد الكهرباء من محطات لا تلوث البيئة -محطات طاقة شمسية وطاقة رياح – لكن هذا يحتاج إلى مبالغ طائلة ووقت أيضا.
في حين لن يصبر المبشرون ببتكوين حتى الوصول لذلك، لكنهم سيأخذونها لمستويات قياسية كبيرة في وقت تكثر التحذيرات من أضرار بتكوين وأخواتها.
وفي الوقت الذي تقدم فيه كثير من الشركات معلومات مضللة حول امتثالها لمعايير الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، فإن السبيل الوحيد لإنقاذ الكوكب هو إجبار الشركات الكبرى على تقليل انبعاثاتها الكربونية بشكل جذري، وأن ترتبط التمويلات التي تتلقاها الشركات ارتباطا مباشرا بتقليل انبعاثاتها الكربونية.