الوادي الجديد.. رجالٌ في حب الوطن

لايت نيوز

0:00

الوادي الجديد.. رجالٌ في حب الوطن

بقلم: أ. د. عمرو بسطويسي

لم تكن زيارتي الأخيرة إلى محافظة الوادي الجديد هي الأولى، بل كانت الخامسة. وقد كانت الزيارات الأربع الأولى متفرقة بين عامي ٢٠١٧ و٢٠١٨، منها ثلاث زيارت عندما كنت مديرًا لأحد المستشفيات الجامعية الخاصة التابع لجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا الذي كان له دور مجتمعي كبير في القطاع الصحي، حيث كنت أنفذ قوافل طبية باستخدم مستشفيات ميدانية متكاملة صنعناها محليًا.

وزيارة رابعة على رأس فريق متخصص من ذاك المستشفى لتقييم احتياجات مراكز الرعاية الصحية الأولية في قرى الخارجة والداخلة؛ ليقوم أحد رجال الأعمال بالتبرع بها.

كل هذه الأنشطة كانت تتم بتشجيع ودعم قوى من اللواء أ. ح. دكتور محمد سالمان الزملوط، محافظ الوادي الجديد، الذي كان قد تسلم مهامه كمحافظ في أوائل ٢٠١٧. وكان أول لقاءاتي مع سيادته في مؤتمر السياحة العلاجية بشرم الشيخ في مارس ٢٠١٧، حيث كنا نعرض المستشفى الميداني في منطقة المعرض المفتوح لنتعرف على نشاطاته وطبيعة الأجهزة الحكومية والجهات المعنية، وذلك حين فوجئت بسيادته يعرفنى بنفسه ويعطينى رقم تليفونه الشخصي.

وقال لي إن المستشفى الميداني الذي نعرضه هو تحديدًا ما تحتاجه المناطق النائية في مصر، وعرض مساعدته في تنفيذ أي منها. وقد كان الأمر هكذا، فقد تولى سيادته بما له من خبرة سياسية وحكومية كبيرة بتنسيق التواصل مع المحافظين والقيادات العسكرية في المناطق النائية؛ لننفذ على مدى ٢٢ شهرًا ١٨ مستشفى ميدانيًا امتدت من الساحل الشمالي شمالًا حتى النوبة جنوبًا، ومن الوادي الجديد غربًا في مناطق باريس والفرافرة والخارجة، إلى الشرق في سيناء الحبيبة، منفذين خمس قوافل هناك، اثنتان منها في منطقة العملية الشاملة «سيناء ٢٠١٨»، متحدين الإرهاب والصعوبات اللوجستية، لينعم أكثر من ٤٥٠ ألف مريض بالعلاج المجاني بكل درجاته وأشكاله.

وهكذا جاءت زيارتي الخامسة إلى الوادي الجديد بعد آخر زيارة لي بخمس سنوات، ولتكون الأولى بهدف السياحة وزيارة معالم الوادي الجديد. وبعد أن كنت أستخدم الحافلات في الوصول الى الوادي في حوالي ١٢ ساعة، استخدمت هذه المرة الطائرة، وخرجت من مطار الخارجة في وقت قياسي لأجد مدينة الخارجة والمناطق المحيطة بها وقد تغيرت بشكلٍ كبير عَمّا كانت عليه من خمس سنوات. فعلى مرمى البصر التقت عيناي بمبنى ضخم هائل علمت أنه مجمع المصالح الحكومية الرقمي، وهو شكل مصغر من منظومة العاصمة الإدارية الجديدة والأول من نوعه في مصر، لتليه بعد ذلك فروع لكبار البنوك المصرية بُنيت على أعلى مستوى.

وفي الطريق إلى الفندق، كان على يمينى سور طويل يحتوى في داخله على مبانٍ ضخمة متفرقة.. إنها جامعة «الوادي الجديد»، وهي ليست نفسها جامعة «جنوب الوادي» درءًا لأي التباس، بل هي خاصة بالوادي الجديد، التي صدر قرار تأسيسها في سبتمبر ٢٠١٩، وتحوى كليات الزراعة والآداب والتربية والطب البيطري والعلوم والصيدلة والتربية الرياضية والتمريض وهندسة التعدين والحاسبات، وكانت المفاجأة لي هي وجود كلية الطب البشرى أيضًا التي أُنشئت في وقت قياسي، وقد مُنحت مبنى كبيرًا مستقلًا في وسط مدينة الخارجة. هذه الجامعة ستكون مجالًا للتعليم الجامعي لأبناء الوادي، وستكون معينًا لا ينضب من الكفاءات البشرية من أبناء الوادي الجديد؛ ليساهموا في ثورة التغيير والتطوير في هذه المحافظة المهمة في السنوات المقبلة.

لم تكن هذه الجامعة هي كل شيء، فأينما تتجول في الوادي تجد آثار تطوير لا يتوقف، فها هو مبنى ضخم لمركز بحوث الصحراء التابع لوزارة الزراعة يقوده أستاذ متخصص هو د. حسام شومان، ويهتم المركز بالتنمية المستدامة في نطاق الزراعة والثروة الحيوانية، ويقوم بأبحاث التربة والمياه ليزود رجال الأعمال والمستثمرين بالتوجيهات اللازمة، مثل اختيار أنواع المحاصيل وحجم ونوعية الآبار، مما يساعدهم في النجاح والاستمرار.

والحديث لا ينتهي من رجال الأعمال في شتى المجالات عن كيفية التعامل معهم من قبل أجهزة المحافظة، وعلى رأسهم السيد اللواء د. محمد الزملوط الذي يقوم بتبنى الأفكار الجديدة ويشجعها بلا حدود، ولذلك نجد مشاريع زراعية ضخمة تمت على أرض الوادي الجديد، أغلبها في زراعة التمور والصناعات الملحقة والخضروات والفاكهة وتنمية الثروة الحيوانية، وحتى إنتاج الحرير وتربية النعام وإنتاج وتصدير سم العقارب للاستخدام في صناعة الأدوية.

ولا تتوقف أجهزة المحافظة على مدار الساعة عن توفير الخدمات للأهالي في كل المجالات الصحية والتعليمية والرياضية.

وقد نُصِحْت بزيارة مركز حسن حلمي لذوى الاحتياجات الخاصة، وهو مركز تم تطويره وتحديثه على أطلال مركز قديم فقير في تجهيزاته يعود لإحدى الجمعيات الأهلية، وذلك بدعم حكومي ومساهمة قوية من د. شيرين حسن حلمي وهو أحد كبار رجال الأعمال في القطاع الدوائي لينتهي الأمر بمركز راق يخدم بشكلٍ يومي أكثر من مائتي طفل من ذوى الاحتياجات الخاصة، ويحتوى على أحدث الأجهزة في مجال علاج وتأهيل الأطفال من ذوي القدرات.

وكذلك التوعية المجتمعية للأهالي. وقد رأيت بعيني أطفالًا ينطقون ويتحركون بعد أن عجزت ألسنتهم وأجسادهم عن ذلك لسنوات، ويعرفهم السيد المحافظ، كلٌ باسمه وحالته.
حقيقةً، لم أكن أتوقع كل هذا التطوير وحجم هذه الإنجازات في الوادي الجديد في السنوات الخمس الماضية إلا في زيارتي الأخيرة، وإن كانت هذه الصفحات لا تتسع لكل ما تم على أرض الوادي الجديد، إلا أن ما رأيته يخبرني بوضوح عن جهد يومي بذله فريق عمل متميز في محافظة الوادي الجديد بقيادة المحافظ الوطنى المخلص اللواء الزملوط على مدى سنوات خمس.

لقد كان لزيارتى هذه إلى الوادي الجديد أثر إيجابي قوي على معنوياتي شخصيًا، وكانت باعثةً للأمل في مستقبل أفضل لمصرنا ووجدت فيها صورة جميلة من صور النجاح للأجهزة الحكومية المصرية في منطقة نائية وصعبة، ولكنها مهمة في نفس الوقت، كون المحافظة تمثل ٤٠٪ من مساحة مصر وتقتني العديد من الثروات الطبيعية والآثار والأراضي القابلة للزراعة وتنمية الثروة الحيوانية.

لقد شاهدت في الوادي الجديد كيف يكون التفاعل الناجح بين القيادات الحكومية والجماهير من أجل التطوير والتحسين.
لقد شاهدت الوادي الجديد وهو يتغير.. لقد شاهدت رجالًا في حب الوطن.