الكتور إبراهيم لطفي.. الجراح الذكى والأديب بالفطرة

مقالات

استمع الي المقالة
0:00

الكتور إبراهيم لطفي.. الجراح الذكى والأديب بالفطرة.

بقلم: أ.د. عمرو بسطويسي

على مر سنوات عمرى، لم يكن هنالك ما يشد انتباهي ويثير أفكارى ومشاعري؛ بقدر ما كان للشخصيات المحيطة بي من ذلك الأمر.

ولطالما كانت كل فترة من حياتي تتميز بوجود عدد من الشخصيات لها من التأثير الإيجابي أو السلبي الذي لا يمكن نسيانه.

وفي السنوات الأخيرة، ومع تطور صفحات التواصل الإجتماعي، أصبحنا نتعرف على شخصيات جديدة في حياتنا لم يكن من الممكن التعرف على دواخل شخصياتهم دون هذه الصفحات أبدًا، وذلك لأسباب عدة، منها البُعد الجغرافي واختلاف التخصص، وغير ذلك مما يباعد بين الناس ويزيد المسافات بينهم.

والأكثر عجبًا فى هذا الأمر، هو أن تلك الصفحات جعلتنا أيضًا نتعرف على شخصيات كنا نظن أنفسنا نعرفها بشكل جيد، ذلك أنهم عندما يعبّرون عمّا يجول بخواطرهم ويعلقون على أحداث شتى، تبدو لنا شخصياتهم الكامنة أكثر وضوحًا. وبالطبع تزداد قدرتنا على التعرف على هذه الشخصيات كلما كانت لهم المَلَكة الكتابية والتعبيرية.

ولا بد أن أعترف بأن من أكثر الشخصيات التي شدت انتباهي في السنوات الأخيرة، هو زميل دراستى الجامعية، ومن أبناء دفعتى في كلية الطب بقصر العيني، ونحن أيضًا تزاملنا كأساتذة في كلية الطب، ويقع قسمانا في قصر العيني متلاصقين في الطابق الثالث، قسم «٢٤» جراحة القلب والصدر حيث أعمل، وقسم «٢٦» جراحة المخ والأعصاب حيث يعمل هذا الصديق المتميز، وهو الأستاذ الدكتور إبراهيم لطفي.

أنا الآن على يقين من تساؤل القارئ عن الأسباب التى جعلت من هذا الجرّاح شخصية مميزة.

وقد يتبادر إلى ذهن القارئ أن هذا التميًّز يعود لكونه أستاذًا فى تخصص صعب، وواحدًا من أفضل جرّاحى المخ والأعصاب في مصر، ولكن في الحقيقة أن هذا ليس السبب الوحيد، ولا السبب الأول.

أما السبب وراء ما أراه من تمَيُز وتفَرُد في شخصية الدكتور إبراهيم لطفي، فيعود إلى ذلك الارتباط الوثيق بينه كإنسان حصل على قمة العلم فى تخصصه، وبين جذوره الريفية الضاربة في عمق تاريخ هذا الوطن التي لا ينفك يفتخر بها فى كل وقت.

ذلك أن الدكتور إبراهيم لطفي في كتاباته أظهر لنا قدرته العجيبة والفريدة في الربط بين كل ما يحدث حولنا في الحياة وبين ثقافته النابعة من الريف المصري، حيثُ إنه من أبناء قرية كفرالجرايدة بمحافظة كفرالشيخ.

والمتابع كتابات د. إبراهيم اليومية على صفحته الخاصة بموقع «فيسبوك»، سيجد الكثير من المتعة في أسلوبه الفكاهي الذي يتميز بذكاء فطري شديد البلاغة، وسينبهر بقدرته العجيبة على ربط كل معطيات الحياة الحالية بثقافته الريفية ورصيده الغني من الذكريات، التي لا يزال يحملها بين طيات عقله عن كفرالجرايد. ليس هذا وحسب، ولكن المتعة كلها سيجدها القارئ في ذلك الإبداع الوصفي لشخصيات كفرالجرايدة من حلاق وبقال وفلاحين ورجال ونسوة، والتي يعتبرها الدكتور إبراهيم مرجعية فلسفية في وصف الشخصيات التي جدت عليه في حياته، وخلق التشبيهات بين هؤلاء وهؤلاء بطريقته المفرطة في الذكاء.

حقيقً، إن إعجابي بشخصية ذلك الجراح الفذ ليست نابعة فقط من كل ما ذكرت، ولكنها نابعة من حقيقة إثبات عظمة التراث الريفي المصري الأصيل، ذلك النابع من تركيبة الفلاح المصري وارتباطه بالأرض وتقديسه للأدبيات والأصول واحترام العادات والتقاليد، ناهيك عما كان لعلاقته بالزراعة من تأثير على فكره ومشاعره وأحاسيسه وارتباطه بالوطن.

تعوَّد الدكتور إبراهيم أن يختم كتاباته اليومية على صفحة «فيسبوك» بجملة «مافيش فايدة» تارة، و«في فايدة» تارة أخرى، أي أن صعودًا ونزولًا بين كتاباته النقدية اللاذعة بكل أدب أو المادحة بكل لطف، ونظل نحن زملاؤه وأصدقاؤه ومحبوه نتابع بشغف ما يكتبه يوميًا ونتفاعل معه بردود تتناغم مع ما يكتبه، ولنضيف إلى أرواحنا شحنة يومية من الثراء الفكرى العاطفي والارتباط الجميل بتراب الوطن.

سيجد القارئ هنا صورة رُسمت للدكتور إبراهيم لطفي بريشة واحد من كبار أساتذة قصر العيني في النساء والتوليد، وهو أ. د. فاضل شلتوت، وهذا يدل على تلك المحبة التي يحملها له كل زملائه وأساتذته الأكبر.

إنه؛ إبراهيم لطفي.. الجراح الفلاح الذكى والأديب بالفطرة.

مصر غنية بعقول أبنائها