الصيف والإجازة والعمل وسلوكياتنا

مقالات

استمع الي المقالة
0:00

الصيف والإجازة والعمل وسلوكياتنا

د. منى رجب

للصيف في بلدنا طبيعة خاصة، فهو يمتد لفترة طويلة من السنة، فلم يعد كما كنا صغارًا محددًا بأشهر معينة، حيث تغيرت حرارة الجو عن ذي قبل وارتفعت لعدة أشهر تبدأ من شهر أبريل وتمتد إلى مايو ويونيو ويوليو وأغسطس وسبتمبر وأكتوبر. فأشهر الصيف، حتى سنوات قليلة ماضية، كانت رسميًا تبدأ من ٢١ مايو وتنتهي في ٢١ سبتمبر من كل سنة، إلا أن هذه التحديدات قد تغيرت منذ عدة سنوات؛ نتيجة التغيّرات المناخية وتأثيراتها على الحرارة في الكرة الأرضية كلها.

فقد ارتفعت نسبة الحرارة في كل بقاع العالم بمقدار ١.٣٠ درجة، وتنذر بالخطر وتأثيرات سلبية على البيئة والطبيعة في الكرة الأرضية بأسرها، منها التصحر والجفاف ونقص المياه والمجاعات في كثير من الدول، خاصة الدول المرتفعة الحرارة، وكثير منها في إفريقيا. وبذلك، فإن مع استمرار التغيّرات المناخية الخطيرة التي حدثت بسبب الدول الصناعية الكبرى والانبعاثات الحرارية من المصانع التي أثرت على طبقة الأوزون، كما أثرت بأضرار جسيمة على البيئة في كثير من الدول.

ورغم الاستغاثات من هذه الدول التي أصيبت بالأضرار وحدثت فيها مجاعات وتصحر وجفاف في الأرض وفقدان المحاصيل الزراعية ونقص الغذاء والمياه، ورغم المؤتمرات العالمية التي لا تزال مستمرة لعرض الأضرار التي سببتها الدول الصناعية الكبرى وضرورة أن تعوّض الدول الفقيرة التي لحقت بها الأضرار في كل ما يخص الماء والغذاء والبيئة، وكان آخرها مؤتمر عالمي في مصر بمدينة شرم الشيخ، بتشريف ورعاية الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث تم تأكيد المطالبات بدفع مبالغ مالية لتعويض الدول الإفريقية الفقيرة المتضررة، إلا أن الدول الصناعية الكبرى لا تزال في مناقشات، ولا تزال الأضرار البيئية والمعيشية تصيب الدول الإفريقية، ولا تزال المطالبات مستمرة من الدول المتضررة بضرورة إنقاذ كوكب الأرض، وتحذّر من أي ارتفاع آخر في الحرارة.

وهكذا لاحظنا أنه في السنوات الأخيرة ارتفعت حرارة الجو في بلدنا عن ذي قبل بسبب هذه التغيّرات المناخية، وبسبب نقص المساحات الخضراء والأشجار والحدائق. وفي القاهرة مثلًا، ارتفعت حرارة الجو بسبب المباني الأسمنتية والتلوث واختفاء المساحات الخضراء والحدائق والأشجار التي كانت تلطف حرارة الجو في السنوات السابقة. ويُعتبر شهر يوليو من أشد أشهر الصيف حرارة، ومن قبله كان شهر يونيو الذي شهد أيامًا فيها موجات شديدة الحرارة، وأغسطس أيضًا شديد الحرارة، ما يجعل أهل مصر يلجأون لأخذ الإجازات خلال أشهر الصيف والذهاب إلى المدن الساحلية المطلة على البحر، أو الذهاب إلى الأندية والحدائق للتنزه، وقضاء الإجازات مع أفراد العائلة في أماكن بها نسمات هواء أو شواطئ للاستمتاع بمياه البحر والجو اللطيف.

وأنا ممن لا يستطيعون أخذ إجازة من الكتابة، والارتباط بها طوال حياتي، ومنذ بدأت حياتي ككاتبة، إلا أنني أتلمّس وأحرص على الذهاب إلى بيتي بالساحل الشمالي الجميل لعشقي البحر، والجلوس على الشاطئ في جو نقي دون تلوث، بينما يظل انتظامي في الكتابة، سواء مقالات أو قصصًا، طوال العام صيفًا وشتاءً، إلا أنه يكفيني تلمّس بعض الهدوء بعيدًا عن ضجيج وحرارة القاهرة خلال شهري يوليو وأغسطس، وأعود إلى القاهرة في حالات الضرورة فقط. فلا شيء أجمل من شواطئ مصر الممتدة شمالًا ورمالها البيضاء، وبحرها، سواء الأبيض أو الأحمر.

ولأننا الآن في شهر يوليو، حيث تشتد الحرارة، إلا أنه شهر تكون فيه الإجازة على الشواطئ وهواؤها العليل والنقي نعمة، وتحلو فيه الإجازات ولقاء الأصدقاء والأحباب ولمّة العائلة والبعد عن ضغوط الحياة ولو لعدة أيام. كما أنه في بعض المهن تكون الإجازة قصيرة، إلا أنه في كل الأحوال فإن الإجازة مهمة لتجديد الطاقة، والبعد عن الضغوط النفسية والتوتر والمشاكل اليومية، ولو لعدة أيام، باعتبارها تعود بالفائدة الصحية والمعنوية على صاحبها.

أما عن السلوكيات خلال أشهر الصيف وفي الشواطئ، فإنها في حاجة إلى وقفة، لأنها تختلف من شخص لآخر، فهناك من يتحلى بالذوق ومراعاة الآخرين، وهناك من لا يعرفون الذوق فلا يتعاملون به أصلًا. فتجد من يُلقون بالفضلات في الشوارع وعلى الشواطئ، ومن يسيرون بالكلاب الخاصة لهم على الشاطئ أو في أماكن ممنوعة على الحيوانات. وهناك من يتحرّشون بالفتيات، وهذه أسوأ الممارسات التي تحدث، والتي كان آخرها القبض على شابين تحرّشا بفتاة في الإسكندرية. وهناك شباب يتجاوزون السرعات في المصايف بلا مراعاة لأحد من المصطافين، وهناك من يُحدثون الضجيج ويُشغلون الموسيقى العالية التي تسبب الضجيج.

ومن أسوأ المناظر التي يمكن أن تراها في بعض شواطئ الإسكندرية أو في رأس البر، أن هناك بعض من ينزلون البحر بملابسهم الداخلية دون مراعاة للأصول أو الصواب والخطأ. فإن لم يكن الشخص لديه لباس بحر «أي مايوه» لائق، فلا يصح أن ينزل البحر بالملابس الداخلية، ويكفيه أن يجلس على الشاطئ ويستمتع بنسمات الهواء النقية. لقد فقد الكثيرون أصول السلوكيات السليمة، ومراعاة الغير، والحفاظ على نظافة المكان، أو الحفاظ على السرعات القانونية أثناء القيادة، واحترام الفتيات والسيدات في الشارع، أو احترام وتقدير كبار السن، رجالًا أو نساءً.

فقد الكثيرون الأناقة والأدب والرقي في السلوكيات، ومراعاة الجار في السكن أو على الشاطئ. إن المجتمعات تتقدم بالحفاظ على القوانين ومراعاة السلوكيات، وليس بالفوضى والبلطجة والصوت العالي. وإن السلوكيات السليمة الراقية تبدأ بالاحترام للآخر، خاصة الأكبر سنًا، والذوق، والعطف على الصغير، ومراعاة الجار، والحفاظ على السلوكيات المهذبة مع السيدات والفتيات.

إنما أصبحنا نرى الآن علاقات أساسها تفشي المصالح والانتهازية والعنف وعدم الأمانة والاستغلال، وكادت العلاقات الطيبة والأخلاق النبيلة والرقي تختفي من مجتمعنا. وفي رأيي، إنه عندما تغيب الأخلاق تضعف المجتمعات وتتدمر العلاقات بين الناس، ما يُفسح مكانًا للفوضى والبلطجة والتطرّف والكراهية في التعاملات داخل المجتمع.

ولقد رأينا نتيجة الفوضى والعنف والتطرف والبلطجة في أحداث يناير ٢٠١١، فكانت وبالًا كارثيًا على بلدنا، وهي حالة حال رفضناه ورفضه كلنا ورفضه الشعب المصري، الذي هو الآن في حاجة إلى استعادة قيم الأخلاق والأصول وحسن المعاملة واحترام المرأة، ومراعاة الآخرين، وتقدير الكبير سنًا، والحفاظ على السلوكيات الراقية لتصبح هي السائدة في المجتمع، وليس العكس.