الجونة «ترمومتر» المهرجانات!

إيفينت, هام

استمع الي المقالة
0:00

الجونة «ترمومتر» المهرجانات!

شيء في قلمي | كتب : طارق الشناوي

(الجونة) هو آخر عنقود المهرجانات السينمائية المصرية، منذ أن انطلقت دورته الأولى قبل خمس سنوات، أصبح الآن يقف في صدارة المشهد، هدفه الأساسي العودة ليست فقط للمهرجانات، بقدر ما هي عودة للحياة، بكل طقوسها، بعد أن سرقت منا كورونا الكثير من مظاهر الحياة الطبيعية.

في العام الماضي عقد المهرجان دورته الرابعة واقعياً، بينما كانت المهرجانات بجواره تستجير بالواقع الافتراضي، وتشجّعت بعده العديد من الفعاليات المماثلة، هذه المرة يتعامل المهرجان، مع بدايات مشجّعة لعودة إيقاع الحياة، بدأت حركة الطيران في الانضباط والعديد من الدول، وبينهما مصر استطاعت القفز بعيداً عن الدائرة الحمراء.

وهكذا صارت مظاهر الحياة تقترب من مرحلة ما قبل كورونا، لو ذهبت إلى مطار القاهرة ستكتشف ببساطة أن حركة الطيران تقترب من المعدلات الطبيعية.

فريق العمل يتعامل باحترافية، ويقتنص الأفضل في السوق السينمائي، البعض يلجأ إلى التفسير السهل والمباشر، وهو أن السر يكمن في ميزانية ضخمة يوفرها الأخوان ساويرس (نجيب وسميح).

من خلال معايشتي للمهرجان مع دورته الأولى 2017 أجد سره الحقيقي أنه لا يستسلم أبداً لذروة وصل إليها، لكن هناك دائماً حلم جديد يضيفه، ويسعى أيضاً لتحقيقه، القوة الاقتصادية تدفعه للمقدمة إلا أنها وحدها لا تكفي، كما أن المهرجان لديه استراتيجية يسعى للوصول إليها، وهي أن يموّل نفسه ذاتياً.

وهكذا يتقلص الدعم الذي يدفعه الأخوان سنوياً وبنسبة كبيرة، والهدف أنه بعد عام أو اثنين يتوقف تماماً الدعم، وهو ما أتمنّى أن تفعله كل المهرجانات الأخرى التي تتلقى دعماً من الدولة.

العام الماضي كان هو عام الاحتراز، الكل كان يخشى تلك الدورة التي كنت أراها أقرب لاختبار للحياة، المهرجانات التي تعقد تباعاً في الأسابيع القادمة، كانت تترقب بشغف خطوات (الجونة)، الشجاعة دائماً هي العنوان، لكنها لا تمت بصلة قربى أو نسب للتهور، قرار بدء الفعاليات يرتبط باحتراز زاد معدله في العالم كله.

وكلما زادت جرعته وارتفع منسوبه، أثر بالضرورة سلباً على روح المهرجان، لكن ما باليد حيلة، الزحام وتدافع الجماهير أحد أهم معالم تلك التظاهرات. عندما تجد نفسك أمام اختيارين أحلاهما مُر، نتجرّع الأقل مرارة.

وهكذا جاء قرار إقامة الطبعة الرابعة من (الجونة) واقعياً، لأن البديل الافتراضي، أراه الأكثر مرارة، هذه المرة في الدورة الخامسة، الرهان أكبر، وهو الخروج من إيقاع الحياة مع كورونا، إلى حياة أكثر انفتاحاً صوب الحياة!

لا يخلو الأمر من قليل من التعامل مع العالم الافتراضي، أعلم أن جيلنا من الصعب أن يتعايش ببساطة مع الوسائط الرقمية، ولا نزال نتوق لما عايشناه، ولا نرضى بغيره بديلاً، كنت ولا أزال من حزب القراءة الورقية قبل وبعد كورونا.

وأيضاً كنت ولا أزال من حزب الذهاب لدار العرض لمشاهدة الأفلام، أشعر أنني أخسر نصف متعتي عندما أضطر لمشاهدة شريط سينمائي عبر منصة إلكترونية.

أعلم أن المهرجانات الكبرى التي عادت واقعياً، مثل (فينسيا) وقبلها (كان) جاءت بنصف قوتها، وهناك جزء افتراضي مواز زادت مساحته، إلا أن المذاق الواقعي كان هو القاعدة، والافتراضي استثناء.

أكتب هذه الكلمة قبل أيام من افتتاح (الجونة)، الكل يتمنّى أن نتنفس الحياة مجدداً، سنحترز قطعاً جميعاً أكثر وأكثر، وسأفتقد إحساس الزحام الذي تعوّدت عليه أكثر وأكثر، ولن أجد زملائي بالكراسي المحيطة بي في قاعة العرض.

نظراً إلى تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي، سيحترزون مني وأنا سأحترز منهم أيضاً أكثر وأكثر، إلا أن الاحتراز الأكبر يجب أن يتوجه أولاً لـ(فوبيا) الاحتراز، كاتبنا الكبير نجيب محفوظ يقول: (الخوف من الموت هو الموت)، وأيضاً الخوف المبالغ فيه من الفيروس يعني انتصاراً للفيروس!

سنتابع كل طقوس المهرجان، بداية من السجادة الحمراء، وحضور الأفلام والندوات، لنعلن للعالم كله انتصارنا على كورونا، وشغفنا بالحياة!