البرد وتضيق الشرايين.. التفسير البيولوجي للظاهرة
يُلاحظ الأطباء حول العالم زيادة في نوبات الذبحة الصدرية والنوبات القلبية خلال أشهر الشتاء الباردة. هذا الارتفاع ليس مصادفة، بل هو نتيجة لتفاعل معقد بين الجسم البشري والبيئة الباردة، حيث يلعب البرد دوراً مباشراً في زيادة ضغط الدم وتضييق الأوعية الدموية.
1. الاستجابة الطبيعية للبرد: تضيق الأوعية
عندما يتعرض الجسم لدرجات حرارة منخفضة، فإنه يطلق استجابة فسيولوجية غريزية تهدف إلى الحفاظ على الدفء الأساسي للأعضاء الحيوية الداخلية. تُعرف هذه العملية باسم تضيق الأوعية المحيطية (Peripheral Vasoconstriction).
-
الآلية: تقوم الأوعية الدموية القريبة من سطح الجلد والأطراف (اليدين والقدمين) بالانقباض والتضييق. هذا التضييق يقلل من تدفق الدم الدافئ إلى الجلد، مما يقلل من فقدان الحرارة إلى البيئة الخارجية.
-
النتيجة: هذا التضييق يزيد من المقاومة التي يواجهها الدم أثناء مروره عبر الأوعية. لتعويض هذه المقاومة ولضمان استمرار وصول الدم إلى جميع أجزاء الجسم، يضطر القلب إلى الضخ بقوة أكبر، مما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم بشكل ملحوظ.
إذا كان الشخص يعاني بالفعل من تصلب الشرايين (تراكم البلاك في الشرايين)، فإن تضيق الأوعية يزيد من الضغط على هذه الشرايين الضيقة أصلاً، مما يزيد من خطر تمزق البلاك وتكوّن الجلطات.
2. هرمونات التوتر في مواجهة البرد
يتسبب التعرض المفاجئ للبرد في إطلاق هرمونات التوتر، مثل النورإبينفرين (Norepinephrine)، والتي تعمل كمنبهات طبيعية للجسم.
-
دورها: تزيد هذه الهرمونات من معدل ضربات القلب وقوة انقباضها، مما يرفع ضغط الدم بشكل إضافي.
-
الخطورة: في الشتاء، عندما يكون ضغط الدم مرتفعاً بالفعل بسبب تضيق الأوعية، فإن هذا الاندفاع الهرموني يشكل ضغطاً مضاعفاً على القلب والأوعية الدموية.
3. زيادة لزوجة الدم في الشتاء
تشير الدراسات إلى أن الدم يصبح أكثر لزوجة وتخثراً في الطقس البارد. هذا التغير يزيد من ميل الدم إلى التجلط (Platelet Aggregation). في الشرايين الضيقة، تشكل هذه اللزوجة المتزايدة خطراً كبيراً لانسداد كامل للوعاء الدموي، مما يؤدي إلى سكتة قلبية أو دماغية. لهذا، يجب على مرضى القلب إدارة هذه العوامل بجدية خلال الأشهر الباردة.













