الخريف القاتم: الأسباب البيولوجية والفسيولوجية لاضطراب الاكتئاب الموسمي
مع تحوّل أوراق الشجر إلى اللون الذهبي، يجد البعض أن مزاجهم يتبع هذا التغير، مُتجهًا نحو الكآبة. يُعد “الاضطراب العاطفي الموسمي” (SAD)، والمُشار إليه شعبيًا بالاكتئاب الموسمي، حالة طبية مُعترف بها ترتبط بقدوم فصلي الخريف والشتاء. لفهم هذه الحالة، يجب أن ننظر إلى أعماق الدماغ وكيفية تأثره بالضوء الطبيعي.
1. فهم الآلية البيولوجية للاكتئاب الموسمي
يُعزى السبب الرئيسي للاكتئاب الموسمي إلى انخفاض مستويات ضوء الشمس الطبيعي خلال أشهر الخريف والشتاء. يُؤدي هذا النقص في الضوء إلى خلل في كيمياء الدماغ، وتحديداً في النقاط التالية:
- السيروتونين (هرمون السعادة): يُساعد ضوء الشمس الطبيعي على تنظيم إنتاج السيروتونين، وهو ناقل عصبي يُؤثر بشكل مباشر على المزاج. عندما يقل ضوء الشمس، ينخفض مستوى السيروتونين، مما يُؤدي إلى الشعور بالحزن والكآبة.
- الميلاتونين (هرمون النوم): في الظلام، يزيد الجسم من إنتاج الميلاتونين استعدادًا للنوم. ومع قصر ساعات النهار في الخريف والشتاء، يطول إنتاج الميلاتونين، مما يُسبب شعورًا مُستمرًا بالخمول، والتعب، وصعوبة في الاستيقاظ.
- إيقاع الساعة البيولوجية: يُؤدي الخلل بين مستويات السيروتونين والميلاتونين إلى اضطراب في الساعة البيولوجية الداخلية للجسم، مما يُصعّب على الجسم التكيف مع التغيرات في ساعات الضوء والظلام.
2. طرق العلاج والتغلب القائمة على العلم
بما أن السبب بيولوجي، فإن العلاجات الفعالة غالبًا ما تُركز على تعويض نقص الضوء:
- العلاج بالضوء (Phototherapy): يُعد هذا العلاج الخط الأول للاكتئاب الموسمي. يتضمن الجلوس أمام صندوق ضوئي خاص يُصدر ضوءًا ساطعًا يُحاكي ضوء الشمس الطبيعي، دون الأشعة فوق البنفسجية الضارة. يُنصح باستخدامه لمدة 20-30 دقيقة يوميًا في الصباح.
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): يُساعد هذا النوع من العلاج النفسي المريض على تحديد وتغيير الأفكار والسلوكيات السلبية المُرتبطة بالاكتئاب الموسمي.
- فيتامين د (Vitamin D): يُنصح غالبًا بتناول مُكملات فيتامين د، خاصة في المناطق قليلة التعرض للشمس، حيث يُساعد هذا الفيتامين في دعم وظائف الدماغ والمزاج.
- ممارسة الرياضة في الهواء الطلق: حتى في الأيام الغائمة، يُنصح بالخروج وممارسة الرياضة للحصول على أقصى قدر ممكن من الضوء الطبيعي، مما يُعزز المزاج.
خاتمة
الاكتئاب الموسمي ليس مجرد “حزن خريفي”، بل هو حالة فسيولوجية تتطلب تدخلًا. بفهم الأسباب البيولوجية واتخاذ الإجراءات العلاجية السليمة، يُمكن تحويل الأشهر الباردة إلى فترة أكثر إنتاجية وسعادة.














