أمل الشفاء من فيروس نقص المناعة البشرية.. قصة “مرضى برلين ولندن”
لطالما كان فيروس نقص المناعة البشرية (HIV) يُعتبر مرضاً مزمناً يتطلب علاجاً مدى الحياة. ومع أن العلاجات المضادة للفيروسات القهقرية (ART) نجحت في تحويله إلى حالة يمكن التعايش معها، إلا أن الهدف الأسمى ظل هو الشفاء التام. وقد أثبتت حالات نادرة جداً أن الشفاء ممكن، مما فتح الباب أمام أبحاث مكثفة للتوصل إلى علاج شامل.
التحدي: المخابئ الفيروسية (Viral Reservoirs)
يكمن التحدي الرئيسي في القضاء على فيروس نقص المناعة البشرية في قدرته على الاختباء في حالة خمول داخل خلايا مناعية معينة (عادةً الخلايا التائية CD4+)، مكوناً ما يُعرف بـ المخابئ الفيروسية. العلاج المضاد للفيروسات القهقرية (ART) يمنع تكاثر الفيروس النشط في الدم، لكنه لا يستطيع القضاء على هذه الخلايا الخاملة. بمجرد توقف العلاج، ينشط الفيروس من هذه المخابئ ويعود للانتقال إلى الدم، وهو ما يُعرف بـ “الارتداد الفيروسي”.
حالات الشفاء القليلة التي غيرت القواعد
النتائج الواعدة التي تشير إلى إمكانية الشفاء التام استندت في البداية إلى حالات نادرة خضعت لعلاج لمرض آخر:
-
“مريض برلين” (Timothy Ray Brown): كان أول شخص يُعلن شفاؤه من فيروس نقص المناعة البشرية في عام 2008. كان براون مصاباً بفيروس نقص المناعة البشرية و بسرطان الدم (ابيضاض الدم). خضع لعملية زرع خلايا جذعية (نخاع عظمي) لعلاج السرطان. تبرع الخلايا الجذعية جاء من شخص لديه طفرة جينية نادرة تسمى CCR5 دلتا 32 (CCR5 $\Delta 32$). هذه الطفرة تجعل الخلايا المناعية مقاومة لعدوى فيروس نقص المناعة البشرية. نجحت عملية الزرع في استبدال جهاز براون المناعي بالكامل بجهاز مناعي مقاوم للفيروس، مما أدى إلى القضاء على كل من سرطان الدم والفيروس.
-
“مريض لندن” (Adam Castillejo): في عام 2019، أعلن عن حالة ثانية من الشفاء بعد اتباع نفس البروتوكول العلاجي (زرع خلايا جذعية من متبرع يحمل طفرة CCR5 $\Delta 32$).
على الرغم من أن زرع الخلايا الجذعية إجراء بالغ الخطورة ولا يمكن اعتماده كعلاج لجميع المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية (حيث يتم إجراؤه فقط على المصابين بالسرطان الذين يحتاجون إلى الزرع)، فإن نجاح هذه الحالات قدم دليلاً قاطعاً على أن القضاء على المخابئ الفيروسية ممكن. هذا ألهم الأبحاث للتركيز على تقنيات أقل خطورة تستهدف نفس الآلية الجينية.














