لماذا نخاف؟
الخوف غريزة عند كل الكائنات الحية، البشر والحيوانات والطيور والزواحف والحشرات، ويقال إن حتى النباتات أو بعضها تشعر بالخوف من تهديد وشيك أو من خطر قريب.
تجتمع كل الكائنات في الشعور بالخوف، ويتفرّد الإنسان عن باقي المخلوقات بأنه يشعر بالخوف حتى لو لم يكن الخطر قريباً أو التهديد وشيكاً.
نشعر بالخوف من المستقبل، ومن تفكير وآراء الآخرين، ومن السلطة حتى لو كانت بعيدة عنا، أو من أشياء لا نعرفها، فيبحث الطفل أسفل سريره عن وحش أو شبح، ونخاف الظلام، ونخشى المرض أو العوز، ونخاف على أحلامنا وطموحنا.
حتى أشجع الرجال تنتابه مشاعر الخوف، لكن رد فعله قد يختلف عن الإنسان العادي، وبالطبع عن الجبان، وهنا مربط الفرس، ليس الخوف نفسه، لكن ردة فعلنا تجاه ما نخافه بسبب أو دون سبب.
مثال، شخص يسير بدون رخصة، فتعترضه دورية مرور، فيخاف من المساءلة، فيرتكب جريمة اقتحام للنقطة المرورية، وربما يتسبب في قتل أو إصابة أشخاص. هل كان الأمر يستحق؟ بالطبع لا، لكنها ردة الفعل القائمة على خوف من المحاسبة على أمر أقل ضرراً يدفعنا إلى ارتكاب حماقة، وهكذا تدور الأمثلة.
شاب رسب في الامتحان فينتحر، هروباً من الوقوف أمام والديه، سيدة تقتل زوجها بدلاً من طلب الطلاق، إنسان يزوّر شهادة جامعية خوفاً من احتقار المجتمع له، والقائمة تطول.
أمّا من يتوقف للحظات ليحسب الأمور والعواقب ويدرسها، حتى ولو في ثوانٍ قليلة، يختلف رد فعله كثيراً ويتفاعل بعقلانية أكثر، تعالوا بنا مع قرب عيد النصر المصري في أكتوبر للنظر كيف تفاعل الزعيم الراحل أنور السادات مع العدو الذي أطلق على نفسه الكثير من الإشاعات عن قدراته الفائقة.
ومع مجتمع كان يسخر من إمكانياته طوال الوقت؟ توقف وفكّر وأجرى حساباته واختار التوقيت وحقق النصر، لم يكن كالسائق المنفعل الذي اقتحم النقطة المرورية، ولا كان كمن زوّر شهادته الجامعية، ولا كمن انتحر خوفاً من المواجهة مع الأقربين.
بل كانت حسابات متتالية، لا تعتمد على شعور بالخوف لكن بالواقعية، فانتصر.
وانتصرنا، رغماً عن أنف كل من يدّعي غير ذلك وقتها واليوم.. نصر نتباهى به كل عام، ونأخذ منه عبراً كثيرة، ليس منها عبرة “لا تخف”.
قد تسألني: “وأنت، ألا تشعر بالخوف أحياناً؟”. أرد: “بل كثيراً وربما غالباً، ولكن مع تقدم العمر أتعلم كل يوم أن أتعامل مع مخاوفي بقليل – وليس كثير – من الحكمة، وأسترجع أخطاء الماضي التي سببها الخوف من أشياء لا أراها اليوم مخيفة، لكنها كانت كطول رجل بالغ أمام طفل، فبدا عملاقاً، لكنه في الواقع رجل عادي، وربما قصير القامة”.
مع الوقت تعلّمت معنى الحديث الشريف: “يا ابن آدم لو اجتمع الإنس والجن على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك.
رفعت الأقلام وجفت الصحف”. لكني ما زلت أخاف من أشياء كثيرة، منها غباء البعض، كسائق مهمل أو جاهل يتسبب في حادث طريق مهما كنت حريصاً.
من شخص في العمل يُضمر السوء وأقابله بنوايا حسنة فيطعنني في ظهري.
من شخص متعجرف يدفعه الغرور لإيذائي ومن حولي بلا سبب واضح، وهذه بعض أمثلة لأشياء يصعب حسابها مسبقاً، لكن يجب أن تكون واردة في الأذهان عند التخطيط لأي شيء.
لكنه لطف الله بنا، الذي ينجّينا من أمثال هؤلاء، ولولا لطف الله لهلكنا بسبب ما هو أهون، وهذا أيضاً لا يمكن حسابه مسبقاً، لكنه يُسهم في معادلة الكفة بين غرور وغباء وإهمال وجهل من ناحية، ولطف الله في كفة أخرى، دائماً ما تكون هي الرابحة. لذلك، لا تخف!