أسامة كمال : حروب تكسير العظام
يتبادر إلى ذهني اللفظ المذكور في العنوان حول أوضاع كثيرة تدور في العالم، وفي المنطقة، وفي بلادنا، وحتى داخل بيوتنا.
الحرب الأصعب في تكسير العظام تحدّث عنها المصريون طوال الفترة الماضية عن الطقس البارد الذي ينفذ من الجدران في الليل، ليقوم بواجبه الثقيل في تكسير عظام الكل، لا يميز بين شاب وكبير، ولا بين غني أو فقير، أصحاب الدفايات، أو من افترشوا العراء.
تمكّنت الموجة من تكسير عظام الكل، وتركت الجميع في حيرة: هل هو متحور أوميكرون أو مجرد دور إنفلونزا ثقيل كسّر في عظام الكل في حرب شعواء لم نكن نلتفت إليها في سنوات ماضية؟ لأننا كنا نعتبر الإنفلونزا مجرد ضيف ثقيل سيرحل خلال أيام، أو تأتيه مصيبة كما يقول المثل. لكنه اليوم أصبح شبحاً يحوم فوق رؤوس الجميع، يشعرنا بالخوف، إضافة للعظام المتألمة.
لكن في نظرة أبعد، سنجد حروب تكسير عظام سياسياً بين الغرب وروسيا حول أوكرانيا، وحرب تكسير عظام بين الصين وأمريكا انعكست على أسواق عديدة كالسيارات والهواتف المحمولة والأجهزة الإلكترونية. هؤلاء العمالقة يبدون وكأنهم يكسّرون عظام بعضهم بعضاً، لكن الواقع أنهم كثور هائج في محل بيع زجاج أو صيني، لا يحطّمون بعضهم بعضاً، لكن يحطّمون كل ما هو في طريقهم.
ونحن في طريقهم، ولتكن صناعة السيارات أو في حالتنا تجارة السيارات، لأننا لا نصنع، بل نستورد أو في أحسن الفروض نجمعها. أزمة الشرائح الإلكترونية هي في الواقع أزمة سياسية بين الصين وأمريكا حول تايوان، لكن استغلها البعض لرفع الأسعار، بدعوى أنه لا توجد سيارات في العالم، رغم أن الشركات العالمية لم ترفع أسعارها.
لست خبيراً في المجال ولا حتى مهتماً، لكنني أنظر إلى واقع نعيشه من كبار يتصارعون وأفراد مطحونين، وبينهما مستفيدون، لا تأخذهم بالطرف الأضعف أي شفقة.
وسيتكرر الأمر في المستقبل القريب في سوق الأدوية عالمياً ومحلياً، وستكون الفترة الأصعب عندما يحدث نفس الأمر في سوق الغذاء، سترتفع القيمة وستقل المنتجات، ويتزايد ربح الوسطاء، والمستخدم النهائي سيكون في حيرة ويتساءل: “يمكنني الاستغناء عن الكثير، لكن هل يمكن أن أتوقف عن إطعام أسرتي أو الحصول على الدواء لي ولهم تحت أي ظرف؟”
لا أود تقديم نظرة متشائمة في ظل عام جديد، يتمنى الكل أن يكون أفضل من سابقه، لكنها رؤية تلوح في الأفق، تجبرنا في الفترة القادمة أن نحدد أولوياتنا، سواء على مستوى الحكومة أو المجتمع أو الأسرة. كيف نتجنّب حرب تكسير العظام العالمية؟ وكيف نتغلب على المستفيدين من الوسطاء الذين يريدون تعويض فترة انخفاض أرباحهم خلال عامي الكورونا؟
حتى بريطانيا التي كانت يوماً ما عُظمى، أعلنت تخليها عن معظم الإجراءات الاحترازية، كما جاء على لسان رئيس وزرائها، لأنه يعرف أن الموجة القادمة في مجالات أخرى أشد قسوة على الناس اقتصادياً، وعليه هو شخصياً سياسياً. إسبانيا أيضاً تفعلها وبلدان أخرى، فالاختيار هو “أكون أو لا أكون” أو “أعيش أو لا أعيش”. هي فترة قاسية تتطلب الانتباه والاستعداد لمستقبل ينبئ بصعوبات جمّة.
منذ عامين تدافعنا لشراء الكحول والكمامات، بعد أن استشعرنا الخطر، ولا سبيل اليوم لتخزين الطعام أو الدواء، فالكمامة كالمادة لا تفنى ولا تموت، والوضع مختلف في باقي السلع الأساسية.
أتمنى أن أكون مخطئاً في حدسي، وأن تكون الأيام والشهور القادمة هي انفراجة لأزمة طالت. في رأيي أنها كانت جزءاً من حرب عالمية، لتكسير العظام، خرجنا منها منهكين، لا نملك إلا الأمل في الله سبحانه وتعالى، لكن الله لا ينصف إلا من يأخذ بالأسباب.
الحذر من حرب تكسير العظام التي يشنها البرد يحتاج إلى بطانية إضافية وملابس داخلية، لكن الحروب الأخرى تتطلب إجراءات أكثر تعقيداً من مجرد فانلة قطن أو صوف.