قناة السويس والأسرة الألمانية
بنص لسان | كتب : صبري ناجح
Sabry_nageh@yahoo.com
كانت تتابع بشغف أسرة خماسية، مكونة من أب وأم وولدين وبنت، والكائنة في إحدى مدن ألمانيا الشرقية، تفاصيل تعويم سفينة عملاقة جنحت أثناء مرورها في ممر قناة السويس المصرية، الذي يعد الأكثر ازدحامًا في العالم، والذي تمر من خلاله 15% من حركة الشاحنات في العالم و12% من حركة التجارة العالمية.
هذه الأسرة ليست بالضرورة مصرية حتى تتابع تطورات السفينة على مدار 6 أيام حبست فيهم “التجارة العالمية” أنفاسها، لكن ولأن ممر قناة السويس لا يخدم المصريين فقط، بل يخدم العالم كله من خلال مرور كافة السلع من نفط وغاز وأغذية وسلع وحبوب وأجهزة، فإن متابعة ما آلت إليه الأمور في قناة السويس من المؤكد أنه سيؤثر على تلك الأسرة في ألمانيا، ومثيلتها في الولايات المتحدة والصين ودول أوروبا.
يربط ممر قناه السويس أوروبا بآسيا عبر أقصر طريق يميزها عن غيرها من الطرق الدولية الأخرى، وهو ما يؤهل هذا الممر، الذي تؤثر الحركة فيه في ملايين البشر ومن عدة قارات، لأن يتصدر نشرات وأخبار العالم خلال توقف الملاحة فيه.
غير أن الكثيرين ممن يصطادون في الماء العكر، حاولوا تقليل أهمية قناة السويس أو بالأحرى تضخيم حادثة جنوح السفينة إيفر جيفن، التي تتبع شركة إيفر جرين اليابانية، والمدارة من شركة تايوانية، والتي ترفع العلم البنمي.
وحاول البعض بالفعل الترويج لممرات دولية بديلة، مثل روسيا التي روّجت لطريق في القطب الشمالي، الذي تم احياؤه نتيجة التغيرات المناخية.
وزارة الطاقة الروسية قالت يوم الإثنين الموافق 29 مارس، إن هناك إمكانيات كبيرة لتوسع حجم حركة الإمدادات عبر “الطريق البحري الشمالي” بعد إغلاق قناة السويس.
أضافت الوزارة أن الطريق لديه إمكانات كبيرة لتوسيع حجم نقل البضائع، بما يسمح بتقليص وقت نقل السلع بشكل كبير من آسيا إلى أوروبا. موضحة أن روسيا تتمتع بموقع جغرافي متميز يعطيها “امتيازات طبيعية في سوق الطاقة العالمية من حيث الوصول إلى الأسواق الاستهلاكية الرئيسية، وكذلك سرعة توصيل الوقود”.
وصحيح، أن هناك صعوبات كبيرة حاليا في القطب الشمالي نظرا لتجمده، إلا أن التغيرات المناخية التي شهدها القطب بدأت تذيب بعض كتل الثلوج، الأمر الذي تراه موسكو فرصة لفتح ممر عالمي دولي، بديلا لقناة السويس، خاصة أنه سيوفر من 7 ساعات إلى 3 أيام مقارنة بتوقيت المرور بقناة السويس.
ويأخذ المسؤولون في قناة السويس تلك الأمور بجدية شديدة، إذ رغم أهمية ممر قناة السويس وتوفيره الوقت والأموال مقارنة بالبديل المتاح حاليا، وهو رأس الرجاء الصالح، إلا أن إدارة القناة بدأت مؤخرا الترويج بحزمة عروض وحوافز لشركات الملاحة والسفن العالمية.
وهنا أتوقف عند مطالبات البعض بزيادة أسعار المرور من قناه السويس، لزيادة حصيلة القناة التي تحقق سنويا نحو 5 مليارات دولار، ورغم حسن النية في هذه الطلبات والرغبة في ربح أعلى، إلا أنها قد تفقدها ميزة هي في أشد الحاجة للحفاظ عليها حاليا، بعد تداول قناة السويس على نطاق واسع حول العالم خلال الفترة من 23 حتى 29 من شهر مارس.
ورغم أن مصر نجحت في تعويم سفينة هي من أكبر السفن في العالم، خلال 6 أيام، في عملية فنية معقدة للغاية، إلا أن حركة التجارة العالمية لن تعود لطبيعتها فور تحريك السفينة وعودة الملاحة مرة أخرى في قناة السويس.
وذلك لأن 6 أيام هي مدة تعطل السفينة إيفر جيفن، نجمت عنها اضطرابات في نشاط الشحن العالمي “قد يستغرق زوالها أسابيع وربما شهورا”. وفقا لمجموعة ميرسك للشحن.
فما زالت قناه السويس تثبت مدى تأثيرها في العالم، وتختلف مدة التأثير وفقا لطول وقصر فترة تعويم أو تحرير السفينة العالقة، فقد قالت ميرسك هنا إن “حتى بعد إعادة فتح القناة، الآثار المضاعفة على القدرة والمعدات العالمية كبيرة”.
الخلاصة، قناه السويس كان يمر منها كل يوم عشرات السفن، وهي رافد أساسي لمصر من العملة الصعبة، دون أن يشعر بها أحد من المصريين أو من الأسر والشركات والمصانع والأشخاص المتأثرين بحادث جنوح السفينة، حول العالم، غير أنها عادت وبدأت الملاحة، وحادثة ومرت، مع دروس وعبر مستفادة من المؤكد.
والأسرة القابعة في ألمانيا الشرقية التي تحدثنا عنها عالية، عادت لتدير قنوات التليفزيون من الأخبار إلى مسلسلات ألمانية تارة وبرامج ترفيهية تارة أخرى، إذ إن ما كانت تحتاجه تلك الأسرة، والذي كان موجودا بالكاد على ظهر سفينة تنتظر المرور في قناه السويس، نتيجة حادثة عرضية، سواء كان أكل أو شرب أو ملبس أو سلع أو أجهزة أو حتى غاز لاستخدامه في التدفئة، قد وصل المنزل.