قبل أن يختفي عصر الجنتلمان والهانم «3»
من أوراقي الخاص | دكتور / منى رجب
ولأن السنوات الأخيرة شهدت تغييرات في السلوكيات والقيم وممارسات مختلفة ومستجدة، وبشكل خاص وفي رأيي يمكنني أن أقول إن هذه التغييرات في سلوكيات الناس قد ظهرت وتفشّت وانتشرت بعد أحداث 25 يناير 2011، رأينا عبارات مدسوسة على مجتمعنا.
وأساليب مختلفة في التعاملات لم نعهدها من قبل، وملأت هذه التغييرات الإعلام مع ظهور قنوات جديدة خاصة ومواقع التواصل الاجتماعي التي كانت إحدى الوسائل التي حرّكت التغييرات في شكل المجتمع، فبدأنا نرى تدميراً في قيم نشأنا عليها، مثل احترام الكبير، واحترام مكانة المرأة والأم، فقد بدأت حملات ممنهجة.
تنتشر مثل النار في الهشيم، لهدم هذه القيم، فكان مما شاهدته أن تحركت مجموعات ضد رؤساء العمل والمصانع والمؤسسات، وامتلأت الشوارع بالوقفات الاحتجاجية، التي تنعت الكبار في كل موقع بأبشع الألفاظ، وهكذا اختفت فكرة أن نحترم الكبار.
باعتبارهم أكثر منا خبرة، أو أكثر منا علماً، أو أكثر منا حكمة.
وانتشر هذا السلوك في كل المواقع، وأيضاً في البيوت، حيث كان من عادات وأعراف الأسرة المصرية أن الصغير يحترم الكبير، إلا أن هذا لم يعد واقعاً بعد أحداث يناير، ورافق هذا تيار يدعو إلى الفوضى في الشارع، وحرق المباني، واقتحام مراكز الشرطة والمجمع العلمي، واقتحام المتحف المصري.
ودون الدخول في تفاصيل الأحداث غاب عن الناس مع الفوضى حقيقة مهمة، وهى أن هناك مخططاً دولياً لإضعاف نسيج المجتمع المصري، وتدميره حتى يمكن تنفيذ مخطط التقسيم، الذي وضعه الأمريكي برنار لويس، ووافق عليه الكونجرس الأمريكي عام 1983، لتقسيم الدول العربية، وتفتيت كل دولة منها لتصبح دويلات صغيرة متصارعة ومتناحرة.
ومن أجل هذا بدأ تدمير القيم المصرية الأصيلة، وبدأ تيار رجعي يظهر ويعلو صوته في دعاه جدد انتشروا بشكل غريب في القنوات الجديدة التي جرى بثها بعد 2011، لنشر الفوضى ونشر أفكار مخطط يهدف إلى تغيير الهوية المصرية وإضعافها، وبدأ تيار رجعي أصولي يضع المرأة في مرتبة دنيا، ويحقّر من شأنها، ويريد تغيير مظهرها وسلوكياتها لتتراجع إلى الوراء.
وكان هذا التيار يهدف إلى تغيير مظهر النساء والفتيات في مصر أولاً، مما سيؤدي إلى تغيير هوى نساء مصر شيئاً فشيئاً، ثم بعد ذلك يأتي التأثير على فكرهن.
والعمل على تراجعهن إلى الوراء، ووضعهن في مرتبة دنيا، بحيث يسهل التأثير بعد ذلك على الشباب والرجال، وهكذا رأينا الدعوة لنشر الخمار والنقاب، لتغيير مظهر المرأة والفتاة المصرية، التي تميّزت بالاهتمام بمظهرها الخارجي، وتسريحة شعرها.
وبسلوكيات راقية، وظهور تيار الحرية في العائلات العريقة والطبقة المتوسطة، حيث تميّزت بالأناقة والجمال بارتداء أحدث موضات باريس ولندن مع موجة تقدم المجتمع في الستينيات، وتعليم البنات.
وخروج المرأة للعمل في مختلف المجالات في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، وارتياد عشرات الآلاف من الشابات الجامعات المصرية مع الستينيات والسبعينيات والثمانينيات.
واستمرار مظهر الهانم الأنيقة التي كانت تلقى الاحترام والتقدير من المجتمع، التي ترتدي أحدث الأزياء والموضات لدى ظهورها في باريس، ونرى في الأفلام هذا المظهر العصري لبنات الجامعة، كما في فيلم (الخطايا) بطوله النجمة نادية لطفي وعبد الحليم حافظ في سنة ١٩٦٢، وأيضاً جسدت أناقة المرأة المصرية النجمة فاتن حمامة في فيلم (الباب المفتوح) ١٩٦٣.
وفي السبعينيات عكست الفنانات في الأفلام مظهر المرأة المصرية العصري، حيث نرى النجمة سعاد حسني في فيلم (أين عقلي؟).
أمّا المرأة المصرية التي كانت تعيش في الأحياء الشعبية، فكانت أيضاً تحرص على مظهرها لدى خروجها إلى الشارع، فكانت ترتدي الفساتين الزاهية، وتتزين قبل نزولها إلى الشارع.
حيث نرى مظهر الفتاة الشعبية في الأفلام المصرية التي جسّدتها نجمات السينما، مثل الفنانة شادية في فيلم (زقاق المدق) عن قصة أديب نوبل العالمي نجيب محفوظ، الذي جرى إنتاجه في 1963، وأخرجه حسن الإمام، حيث نرى حميدة فتاة الحي الفقيرة اليتيمة، التي تطمح في حياة الثراء.
وتعيش في أحد الأحياء الشعبية، ونرى شادية بملابس فتيات الأحياء الشعبية، حيث ترتدي فساتين زاهية، وتسريحة شعرها بالضفائر الطويلة، وأحياناً ترتدي الملاية اللف في الشارع، التي كانت زي الفتيات والنساء في الأحياء الشعبية.
وفي الثمانينيات أيضاً ظلت طالبات الجامعة، والسيدات يحرصن على المظهر الأنيق في المدن والاهتمام بمظهرهن العصري، كما يبدو ذلك في أفلام النجمة يسرا كما في فيلم (لا تسألني من أنا) 1984، ثم في فيلم (امرأة واحدة لا تكفي) 1990.
ثم في بدايات القرن الواحد والعشرين استمر اهتمام النساء بمظهرهن العصري، وتسريحة شعرهن إلا أنه في نفس الوقت بدأ ظهور محاولات نشر الخمار والنقاب حتى بين الفتيات الصغيرات.
والحقيقة التي تبدو بوضوح أنه مع أحداث يناير، بدأت جماعات الظلاميين تحاول إرجاع المرأة المصرية إلى الوراء، والحط من مكانتها ومحاولات سحب مكتسبات جاهدنا لحصولها عقوداً طويلة.
وقاوم تيار التنوير هذه المحاولات الممنهجة لإرجاع المرأة إلى الوراء، وبث أفكار رجعية وأصولية في عقول الرجال مع الدعوة لإطلاق اللحى للرجال، وتحقير شأن النساء، إلا أن هذا التيار الظلامي تراجع مع قيام ثورة 30 يونيو 2013، وإطاحة حكم الظلاميين، الذي كان يحاول تغيير مظهر وسلوك وقيم المجتمع المصري، وما صاحب ذلك من انتشار أفكار ظلامية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وظهور مسلسلات وأفلام تدعو للعنف والبلطجة، لتدمير قيم المجتمع المصري.
مما يجعلني أقول إن عصر الجنتلمان والهانم قد يختفي تماماً إن لم نحاول كمثقفين ومتعلمين أن نعمل على نشر قيم الرقي والسلوكيات الراقية والأخلاق النبيلة والذوق في التعاملات والأناقة في المظهر الخارجي، لتكون هي السائدة في مجتمعنا، إلا أن ذلك يحتاج إلى عدة أمور، سأتحدث عنها في مقال قادم إن شاء الله.
وللحديث بقية.