عَصاية العِزّ
لم تكن قيادةُ البشر لبعضهم البعض أمراً هيناً فى أيّ عصرٍ من العصور، بل كانت ولا تزال أمراً جَللْ.
وبينما تُسهب مجلدات التاريخ فى وصفِ البلاد، وما مر بها من الأحداث والأزمات والثورات وما حلَّ بها من تطورات أو انحدارات، نجدها دائماً تُخْضِع فصولاً كاملة لوصف قادة الدول وقادة الجيوش ومن شابههم.
فالتاريخ يذكر وصفاً لوجوههم وملبسهم ومأكلهم وحياتهم وأزواجهم وأبنائهم، وإن كان هذا كله من خصوصيات الإنسان، إلا أن الإنسان إذا اعتلى منصباً قيادياً أصبح هو ملكاً لمن يقودهم، وليس العكس كما يظن البعض فلطالما كان للقائد أثره البالغ على حياة الشعوب والأمم. فقد يُغنيهم بحكمةٍ منه وقد يُفقرهم بقرار.
وكثيراً ما نجد عقوداً كاملة تم وصفها تاريخياً باسم سلطانها أو أميرها أو رئيسها، ولم لا ونحن نُدرك أن تلك العقود تلونت بلون زعيمها، وتأثرت حياة الناس بما ينتهجه من سياسات وما يرسيه من قواعد ونظم. فإن صلح حال القائد صلحت أحوال الناس، وإن ساء حاله ساءت أحوال الناس.
والقائد، إن ساء أو صلح، هو فى نهاية الأمر بشر لا يختلف كثيراً عمَّن يقودهم. هو إنسان يحب ويكره ويسعد ويتألم، ولكن الناس فى الأغلب يُكوِّنون فى عقولِهم صورةً مثاليةً للقائد أقرب الى الشخصيات الخيالية، فهم لا يتصورونه يتألم ولا يصدقون أبداً أنه قد يقلق أو تنغص الأحداث عليه حياته نهاراً وتؤرقه ليلاً، وهذا ما يحدث لكل قائد أحب شعبه وذاب فى عشق وطنه وترسخ فى وجدانه أن الله سُبحانه وتعالى قد اختاره دون غيره، وجعل له الأسباب ليقود بلاده، ولتكون حياوات الناس ومصائرهم أمانةً فى عنقه.
ولكلِّ قائدٍ فى رسولِ الله – صلى الله عليه وسلم – أسوةٌ حسنة، عليه أن يجتهد ليكون أقرب ما يكون إلى تلك الصفات القيادية التي اصطفى بها رب العزة رسولَه الكريم. فلم يكن هناك ولن يكون قائد أعظم من سيدنا محمد رسول الله، صلوات الله وسلامه عليه.
ونتعلم جميعاً من التاريخ الحديث لهذا العالم والذي عاصرناه جميعاً كيف تأثرت حياةُ شعوبٍ محيطةٍ بِنَا بما آل إليه قادتها من تطرفٍ فى الفكر وفئوية فى العقيدة وانحراف عن التصرف السويّ، فتهالكت أوطانهم.
وصارت مرتعاً لقوى الشر وملعباً لمخابرات وجيوش الدول المعادية تمرح فيها بلا خوف، بينما أصبح الخوف هو المسيطر على قلوب أبنائها والجاثم على أنفاسهم، فلا هم يأمنون على أرواحهم، ولا ما تبقى من ممتلكاتهم، ولا يستطيعون رسم أي مستقبل لأبنائهم.
حقاً، فكل ذي بصيرةٍ يُدرك حتماً أهمية القائد في حياة الأمة، ولعل بعضنا يُدرك إجابة السؤال الشهير عن الفرق بين قائد الجيش السيئ وقائد الجيش الجيد وقائد الجيش الممتاز!
فالأول قد أخذ جيشه وحارب وخسر، والثاني انطلق بجيشه وحارب وانتصر، أمَّا قائد الجيش الممتاز فإنه الذي انتصر دون أن يحارب، هو ذاك الذي ارتقى بجيشه إلى الأعلى وجلب له أفضل السلاح وأحسنه، وواظب على التدريبات والمناورات ليرى العالم كله تلك القوة الجبارة الكامنة، وليُدرك الأعداء أنهم إذا أثاروه وأخرجوه من عرينه فسيذوقون طعم تلك القوة التي لن تُبقي فى طريقها لا على أخضرٍ ولا يابس وستسحق كل من تسول له نفسُه المساس بحرمة الوطن.
ولكل من يتمعن في أحوال مصر الكنانة، يدرك أن الله قد منحها منذ عام ٢٠١٣ قائداً لمس نبض الأمة، وأدرك بسابقتها خلجات نفوس أبنائها، وعمل على إصلاح ما فات وما أصاب الوطن، ومهد طرقها وزرع أرضها وقوَّى جيشها، وجعل أعداءها يفكرون مراراً قبل أن يقتربوا من أرضها، وذلك دون أن يطلق رصاصةً واحدة، وكما يقول المثل القديم والحكيم،
“هِز عصاية العِزّ ولا تضرب بها”.
تحيا مصر.. تحيا مصر.. تحيا مصر.