تعرف على برنارد شو.
هو المؤلف الكبير، وهو الكاتب الساخر العظيم، صاحب الكلمات اللاذعة، والحقائق الصادمة. جورج برنارد شو، الرجل الذي ثار على الجميع، فدافع عن المرأة، وهاجم أمريكا، وامتدح الإسلام، ورفض جائزة نوبل.
إنه أحد أشهر الكتّاب المسرحيين في العالم، والإنسان الوحيد الذي حاز جائزة نوبل وجائزة الأوسكار. اليوم نتحدث عن أديب ومفكر وإنسان مميز جدير بالاحترام.
ولد في ديبلين بأيرلندا في 26 يوليو 1956 لأسرة من الطبقة المتوسطة، ولطالما كره اسم جورج، وفضّل أن ينادى ببرنارد شو. اضطر لترك المدرسة وهو في الخامسة عشر من عمره ليعمل موظفاً. كان والده سكيراً مدمناً للكحول، مما شكل لديه رد فعل بعدم القرب من الخمر طوال حياته.
كما كان نباتياً لا يقرب اللحم، الأمر الذي كان له أثر طويل في عمره وصحته الدائمة، فقد كان يقول دائما الحيوانات أصدقائي، وأنا لا آكل أصدقائي.
في عام 1872 تركت أمه منزلها، وهجرت زوجها، مغادرة إلى لندن مع ابنتيها، ولحق بها شو بعد 4 سنوات، ولم يعد إلى أيرلندا لما يقرب الثلاثين عاماً، عندما غادر إلى لندن بدأ يتردد على المتحف البريطاني لتثقيف نفسه، الأمر الذي كان له الفضل الكبير في فكره واستقلاليته.
رغم تركه المدرسة مبكراً إلا أنه استمر بالقراءة وتعلم اللاتينية والإغريقية والفرنسية، وكان في ذلك كشكسبير الذي غادر المدرسة وهو طفل ليساعد والده. فالمدارس برأي برنارد شو ليست سوى سجون ومعتقلات.
بدأت مسيرته الأدبية في لندن، حيث كتب خمس روايات، لم تلق نجاحاً كبيراً، وكانت روايات فاشلة إلى حد كبير، نظراً لكآبتها، لكنه اشتهر فيما بعد كناقد موسيقي في إحدى الصحف، ثم انخرط في العمل السياسي، وبدأ نشاطه في مجال الحركة الاشتراكية، وانضم للجمعية الفابية، وهي جمعية إنجليزية تسعى أعضاؤها إلى نشر المبادئ الاشتراكية بالوسائل السلمية.
كانت تشغله نظرية التطور والوصول إلى الإنسان السوبرمان الكامل. كان كذلك من اللا دينيين المتسامحين مع الأديان. كان شو معجباً بالشاعر والكاتب النرويجي المسرحي إنريك إبسون، الذي يعتبر أعظم الكتاب المسرحيين في كل العصور. كان السباق في استخدام المسرح لمعالجة القضايا الاجتماعية، فكان تفكير إبسون واضحاً على شو في بداياته.
في عام 1895 عمل عضواً في مجلس Saturday reviewكناقد مسرحي، وبدأ يكتب مسرحيات من تأليفه، حيث ألف ما يزيد على 60 خلال سنين مهنته.
ظل شو يكتب في المسرح 46 سنة، وقد بلغ عدد المسرحيات التي هي ما بين مسرحية طويلة ومتوسطة ما يزيد على الخمسين مسرحية. وقد أخرج عدداً كبيراً من هذه المسرحيات أثناء حياته في عواصم بلدان أوروبا وأمريكا.
ومن أشهر مسرحياته بيوت الأرامل، الإنسان والسوبرمان، سيدتي الجميلة، بيت القلب الكثير، والسلاح والرجل، وأيضاً أشهر مسرحيات شو هي بيجماليون، وقد نُقلت إلى الشاشة الكبيرة عام 1938، لينال شو عنها جائزة الأوسكار كأفضل سيناريو.
واستمرت بيجماليون في ضرب آفاقٍ أبعد في الشهرة، حين قُدمت في عروضٍ موسيقية، وأصبحت أغنية، لتقدم للمرة الأولى على مسرح برودواى عام 1956، مع ريكس هاريسون وجولى أندروس، وفي ما بعد قُدمت على شاشة السينما عام 1964، لعب بطولتها كل من هاريسون وأودرى هيبورن. كما أن اسم المسرحية مقتبس من الأساطير الإغريقية.
ويعد الكاتب جورج برنارد شو هو أول من رفض استلام جائزة نوبل، إذ فاز بها عام 1925، ويرجع سبب رفضه إلى عدم إيمانه بأهمية جائزة نوبل، كما سخر من “ألفريد نوبل” مؤسس الجائزة، الذي جمع ثروته الكبيرة بسبب اختراعه للديناميت، حيث قال: “أغفر لنوبل أنه اخترع الديناميت، لكنني لا أغفر له أنه أنشأ جائزة نوبل، إنني أكتب لمن يقرأ، لا لأنال جائزة”، ثم عاد وقبل التكريم وقام بتوزيع مال الجائزة.
وكان نظام منح نوبل ينص على الاحتفاظ بالجائزة لمن فاز بها للعام التالي، وفي العام التالي 1926 قبل برنارد شو الجائزة بعدما أقنعته زوجته بأنها شرف لأيرلندا، لكنه ظل مصراً على رفض الحصول على قيمتها المادية، وطلب أن تستخدم في ترجمة أعمال زميله الكاتب المسرحي “أوجست ستريندبرج” من السويدية إلى الإنجليزية.
مواقف شو المثيرة للجدل، ظلت حتى النهاية تعبيراً صارخاً عن أفكاره ومعتقداته التي لم تتغير منذ البداية، فهو الذي رفض أن يزور الولايات المتحدة الأمريكية، حتى لا يرى سخرية القدر بوجود تمثال للحرية في بلدٍ يُمتهن الإنسان أينما كان، (ذلك البلد، أمريكا، الذي انتقل من البدائية إلى الانحلال دون أن يعرف الحضارة).
ميز أسلوب برنارد شو الأدبي بالسخرية من كل شيء، فقد كان يمزج الحقيقة بالمزاح فعندما يكون الشيء مضحكاً فعلينا أن نبحث عن الحقيقة الكاملة وراءه، فالحقيقة هي جوهر كل شيء حتى لو لبست رداء الدعابة.
وقد رجح الباحثون أن شو قد ورث أسلوبه الساخر من والديه، حيث أخذ عنهما أيضاً الجرأة في معارضة السائد، وعدم التردد في الإفصاح عن رأيه بصراحة. بل إن هذا التمرد كان هدفه من الكتابة، فلم يكن يريد كسب المال أو الحصول على الشهرة من كتاباته، بل كان يريد أن يؤثر في جمهوره، ويجبره أن يعيد النظر في أخلاقه ويصلح شؤونه.
كان يصر أن للأدب رسالة تربوية يجب أن يؤديها. رغم وصفها بالديني المتسامح إلا أنه كان معروفاً بتسامحه وحبه الشديد للإسلام كان من أشهر من دافع عن الإسلام بعد الحملات التي اعتادت أن تشنها أوروبا على الإسلام والمسلمين، فكتب “شو” عام 1936 مقالاً له بعنوان “الإسلام الحقيقي”، قال فيه إنه “إذا كان لديانة معينة أن تنتشر في أوروبا خلال مئات السنوات المقبلة فيجب أن تكون الإسلام”.
وأضاف أنه قرأ في الديانة الإسلامية عدة مرات، ووجد أنها تحتل أعلى درجات السمو، بسبب حيويتها الجميلة، ووصفها بأنها الديانة الوحيدة في نظره التي تملك قدرة الاندماج في أي مجتمع.
وقال جورج برنارد شو في مقالته: “إنني درست تاريخ حياة محمد، ذلك الرجل العظيم، وفي رأيي يجب أن يطلق عليه لقب منقذ البشرية، إنني أعتقد أنه إذا قدر له أن يتولى مسؤولية قيادة العالم، فلا شك أنه سيستطيع حل مشكلاته، وإقرار السلام والسعادة، لقد تنبأت بأن عقيدة محمد ستكون مقبولة لأوروبا غدًا”.
تأخر برناردشو في الزواج، فرغم قصة الحب التي عاشها مع الناشطة شارلوت باين تاونسيند، لا سيما من طرفها هي، فقد رفض عرضها عليه الزواج عام 1897 خوفاً من اتهام الناس له بسعيه وراء أموالها، وهي الإيرلندية الثرية، على الأقل بحسب ما قدمه لها من ذرائع في ذلك الحين.
ورغم ذلك فقد تزوج الاثنان بعد ذلك بعام واحد، بعد أن تعرض لحادث ألزمه الفراش، وهو الارتباط الذي ظل قائماً حتى وفاة شارلوت عام 1943. وبعد وفاة برناردشو، عام 1950 عن 94 عاماً، أحرق جثمانه وجمع رماده مع رماد جثمان زوجته الراحلة، بحسب وصية منه على ما يبدو، تبرز بوضوح تعلقه بها ووفائه لذكراها. ما منزله فقد أصبح متحفاً يزوره السياح للتعرف على آثار ومتعلقات الكاتب الكبير.