الموسيقى بوصلة الدماغ.. كيف يعزز التدريب الموسيقي التركيز والتحكم عند أطفال ADHD
مقدمة: يُعد اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه (ADHD) تحدياً يواجه ملايين الأطفال وأسرهم حول العالم، حيث يتميز بصعوبة في الانتباه، والاندفاع، والنشاط المفرط. وفي خضم البحث عن استراتيجيات علاجية تكميلية تتجاوز الأدوية والعلاج السلوكي، تبرز دروس الموسيقى كأداة قوية وفعالة، حيث أثبتت الدراسات الحديثة قدرتها على إعادة تنظيم المسارات العصبية في دماغ الطفل المصاب، مما يعزز من قدراته المعرفية والتحكم في انفعالاته.
الآلية العصبية: تحفيز شامل للدماغ: يكمن السر في أن ممارسة الموسيقى ليست نشاطاً سلبياً أو أحادي البعد، بل تتطلب تنشيطاً متزامناً لعدة مناطق في الدماغ:
- التركيز السمعي: يتطلب العزف أو الغناء الإنصات بدقة للإيقاع والنغمات والتناغم، وهي مهارة أساسية يعاني منها أطفال ADHD. هذا التدريب السمعي المكثف يقوي مناطق الدماغ المسؤولة عن معالجة المعلومات الصوتية وتصفية الضوضاء المشتتة.
- الربط الحركي: عند العزف على آلة (كالبيانو أو الكمان) أو الضرب على الإيقاع، يحدث ربط وثيق بين المدخلات السمعية والحركة الدقيقة للعضلات. هذا التنسيق بين السمع والحركة (الإيقاع الحركي) يقوّي الروابط بين المناطق السمعية والحركية والبصرية، ويساعد في تنظيم النشاط الزائد وتوجيهه نحو هدف مثمر.
- تقوية “الفرملة” المعرفية: تشير الأبحاث إلى أن التدريب الموسيقي المنظم يقوي مهارة “التحكم المثبط” (Inhibitory Control)، وهي القدرة على كبت الاستجابات والنبضات غير المرغوبة. في الموسيقى، يُترجم هذا إلى القدرة على الانتظار للّحظة الصحيحة للعزف أو التوقف عند النغمة الصحيحة، مما يقلل من الاندفاعية التي تعد سمة أساسية في اضطراب ADHD.
تعزيز الوظائف التنفيذية: تتطلب دراسة الموسيقى الانخراط في مجموعة من “الوظائف التنفيذية” وهي المهارات المعرفية العليا التي غالباً ما تكون ضعيفة لدى أطفال ADHD، مثل:
- التنظيم والتخطيط: يتطلب تعلم مقطوعة موسيقية قراءة النوتة، تقسيم الأجزاء، وتحديد أولويات الممارسة.
- المرونة المعرفية: يضطر الطفل إلى تحويل الانتباه بسرعة بين قراءة النوتة، والإنصات للصوت، وتصحيح الأخطاء، مما يزيد من مرونته العقلية.
الخلاصة: دروس الموسيقى لا تقدم مجرد متعة، بل هي نظام تدريبي منظم للدماغ. فمن خلال تحدي الطفل بمهام ممتعة تتطلب تركيزاً متواصلاً وتنسيقاً دقيقاً، تعمل الموسيقى كجسر يعيد بناء المسارات العصبية، ليحول طاقة فرط الحركة إلى تركيز فعال، واندفاع إلى انضباط إيقاعي.