«التراث» أولًا.. ثم يأتي كل شيء.
سمعنا يومًا أحد الإعلاميين يتشدق بفكرة أتت على ذهنه فطفح بها علينا، حيث ادعى عدم وجود أي أهمية لتخصصات مثل التاريخ والجغرافيا والفلسفة وما شابه من العلوم الأدبية. وقد كانت حجته العمياء «إنها ما بتوكلش عيش»، ويقصد بذلك أنه لا رزق يُذكر من وراء العمل فى تلك المجالات.
وحقيقة، فإن تفنيد هذا الادعاء لو كان قد حدث من عشرين أو ثلاثين عامًا، لما كان ولا استحق الرد عليه.
أما فى عصرنا هذا، حيث انقلبت الموازين، واهتزت المبادئ، وتم تدمير القيم والقامات بشكل شبه ممنهج، وقد اقتحمت «السوشيال ميديا» البيوت من خلف أصحابها إلى عقول الشباب، فكان من الضرورة الرد على مثل هذا الادعاء.
ولو كان لصاحب الرأي القدرة على إخبارنا عن أفضل طرق الرزق، لما ذكر المولى تعالى أنه في السماء.
«وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ» (الذاريات- 22).
أما عن تلك العلوم أو المجالات الأدبية التى ذكرها، فإنها مجتمعة تشكل في مجموعها شاملة فروع أخرى متعددة، ما يسمى بالتراث أو «Heritage» بالإنجليزية.
ويُعرف التراث فى اللغة بأنه كل ما له قيمة باقية من عادات وآداب وعلوم وفنون لدى شعب ما، أومن آثار تدل على كل ذلك، وتنتقل من جيل إلى جيل.
وللتراث أثره المهم فى تكوين الحس القومى والانتماء إلى الوطن بين أبناء البلد الواحد. وهذا ما يجعل فى نفوسهم الإحساس بالعزة والفخر، ويكون دائمًا ذلك الحافز القوى للحفاظ على عظمة ما أنجزه الأجداد وتطوير الذات والفرد والمجموع، وبذلك ينهض الوطن ويتقدم للأمام ويواكب العصر.
إن وظيفة مرشد الآثار أو عالم الآثار المتخصص تتعدى بكثير فكرة العثور على الآثار الدفينة وعرضها بالمتاحف أو استقبال السياح وعرض ما لدينا من آثار لهم. إن مهمتهم تتعدى كل ذلك إلى ما هوأعظم وأهم، فهذا التخصص تحديدًا من واجباته رسم ملامح عصور مضت وتحديد كل جوانب العظمة والحضارة فيها، ومن ثم توصيل كل ذلك العلم التاريخي لأبناء الوطن لتحقيق ما ذكرناه توًا من إلهام للأجيال الحاضرة والتالية.
إن تراث الوطن من آثار وفنون وأدب وثقافة وشعر وفن وموسيقى وغير ذلك، لهو من الأهمية بمكان بما يتعدى ذلك الأفق الضيق لأصحاب تلك المقولة العجيبة بأن علوم التراث ليست لها قيمة في هذا العصر.
ولعل ما يطمئن قلوبنا ويشفى صدورنا، تلك الاستجابة القوية من ملايين المصريين عند أي إساءة لأي من آثارنا القديمة، وذلك الحس الراقي بالفنون والموسيقى وضروب الأدب والشعر التي ما زالت باقية في قلوب الكثيرين منا.
إن وطنًا بلا تاريخ لهو وطنٌ بلا حاضر ولا مستقبل.
تراث الأوطان يأتى أولًا، ثم يأتى بعد ذلك كل شيء.
إن وطنًا بلا تاريخ لهو وطنٌ بلا حاضر ولا مستقبل.
تراث الأوطان يأتى أولًا، ثم يأتى بعد ذلك كل شيء.