وزير الخارجية ، سامح شكري قال إن عدم التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة الإثيوبي، سيفضي إلى العداء في المنطقة.
وأكد وزير الخارجية ، سامح شكري في كلمة له بجلسة في مجلس الأمن حول سد النهضة، أنه على مجلس الأمن الدولي العمل على الوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة الإثيوبي.
وتابع أن “الاتفاق العادل هو الأساس، والتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة ضرورة وليس خيارًا”.
وأكد شكري، أن مصر أُخضعت لحملة غير مبررة من مزاعم غير حقيقة، حول تمسك القاهرة باتفاقيات مع إثيوبيا قالوا إنها وقعت في عصر الاستعمار الإثيوبي، مؤكدًا أن ذلك غير صحيح.
وجاءت كلمة وزير الخارجية سامح شكري التالي النحو التالي:
“السيد السفير المندوب الدائم لفرنسا لدي الأمم المتحدة
رئيس مجلس الأمن عن شهر يونيو 2020،
السادة ممثلو الدول الأعضاء في مجلس الأمن،
الزميلان والأخوان العزيزان ممثلا كل من السودان وإثيوبيا،
أود في البداية أن أهنئ رئيس المجلس على قيادته الحكيمة وإدارته لأعمال مجلس الأمن في وقت يشهد فيه العالم تحديات وأزمات غير مسبوقة.
كما أتوجه بالشكر للسيدة روز ماري دي كارلو وكيل سكرتير عام الأمم المتحدة على كلمتها.
فهذه، وبحق، فترة مضطربة في تاريخ الإنسانية، حيث نواجه خطرًا داهمًا وعدواً خبيثًا حصد عدداً يصعب حصره من أرواح البشر، وألحق بنا معاناة اقتصادية غير مسبوقة، وتسبب في توقف الحياة في جميع أنحاء العالم، ولكن بينما نواجه كارثة هذه الجائحة العالمية وتنكشف لنا هشاشة وضعنا، فإنه يتعين علينا أن نتذكر انتماءنا المشترك للإنسانية.
فنحن في نهاية المطاف، ورغم تعدد الثقافات والعقائد، وتنوع الأمم والشعوب، أسرة إنسانية واحدة، يتعين لتحقيق رفاهيتها أن نتجاوز المصالح الضيقة وأن نعمل على إعلاء روابط التضامن بين أطراف مجتمعنا العالمي.
السيد الرئيس،
إن القضية التي أستعرضها معكم اليوم ترتبط بأمر جلل بالنسبة للشعب المصري، وهي مسألة تتطلب، مثلما هو الحال بالنسبة لجهود مواجهة الجائحة الحالية، أن نلتزم بروح التعاون فيما بيننا، وأن نعترف بأن الأمم لا تعيش في جزر منعزلة، وإنما نحن جميعاً منتمون لمجتمع واحد، مرتبطون بمصير مشترك.
لقد ظهر خطر وجودي يهدد بالافتئات على المصدر الوحيد لحياة أكثر من 100 مليون مصري، ألا وهو سد النهضة الأثيوبي، هذا المشروع الضخم الذي شيدته إثيوبيا على النيل الأزرق، والذي يمكن أن يعرض أمن وبقاء أمة بأسرها للخطر بتهديده لمصدر الحياة الوحيد لها.
ومع تقديرنا لأهمية هذا المشروع في تحقيق الأهداف التنموية للشعب الإثيوبي، وهو الهدف الذي نسانده وندعمه، فإنه من الضروري إدراك أن مشروعاً بهذا الحجم، والذي يعد أضخم مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية في أفريقيا، يهدد مقدرات ووجود ملايين المصريين والسودانيين.
ولذلك، فإن ملء وتشغيل السد بشكل أحادي، ودون التوصل لاتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية المجتمعات في دولتي المصب، ويمنع إلحاق ضرر جسيم بحقوقهم، سيزيد من التوتر ويمكن أن يثير الأزمات والصراعات التي تهدد الاستقرار في منطقة مضطربة بالفعل.
ومن هنا، فإنه من المهم أن ينظر مجلس الأمن في هذه القضية باعتباره المحفل الذي أوكل المجتمع الدولي إليه مسؤولية فريدة للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، فمن المتوقع أن يمارس المجلس مهامه بيقظة لتلافي تصاعد التوتر، ومنع اندلاع الصراعات، واحتواء الأزمات التي تهدد المساس بالسلام في إقليم يعاني قدراً من الهشاشة. وإننا لعلى ثقة في أن مجلس الأمن، وفي اضطلاعه بواجباته والوفاء بمسئولياته، سيولي كل العناية وسيعمل بنشاط للتصدي لأي حالة تتخذ فيها إجراءات أحادية يمكن أن تهدر المبادئ التي تأسس عليها النظام الدولي والتي تكرست في ميثاق هذه المنظمة.
إن مصر كدولة مسئولة ارتأت عرض الأمر على مجلس الأمن لتجنب المزيد من التصعيد ولضمان ألا تتسبب الإجراءات الأحادية في تقويض فرص التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، أو المساس بحقوق ومصالح دولتي المصب، أو، وهو الأمر الأكثر خطورة، تعريض حياة أكثر من 150 مليون مواطن مصري وسوداني للخطر، على نحو يُفاقم التوتر في منطقة غير مستقرة.
ولذلك فإننا نرى في انعقاد جلسة مجلس الأمن اليوم خطوة إيجابية، إذ يعكس التزام أعضاء المجلس باضطلاع هذا الجهاز الرئيسي في الأمم المتحدة بمسئولياته على النحو المنصوص عليه في ميثاق المنظمة.
السيد الرئيس،
نحن في مصر نعيش في أكثر مناطق حوض النيل جفافاً، وبلادنا الأكثر شُحاً في المياه على وجه الأرض. فهذا الواقع القاسي يحصرنا فيما لا يزيد عن 7% من أراضينا، وعلى شريط أخضر ضيق ودلتا خصيبة يُقيم فيها الملايين، إذ يبلغ متوسط نصيب الفرد من المياه حوالي 560 متراً مكعباً سنوياً، الأمر الذي يضع مصر على قائمة الدول التي تعاني من الشُح المائي وفقاً للمعايير الدولية.
ومن ناحية أُخري، فقد حبا الله إخواننا في إثيوبيا بموارد مائية وفيرة تتضمن متوسط أمطار يصل إلى 936 مليار متر مكعب سنوياً من المياه، بالإضافة إلى أحواض 11 نهراً آخر، بعضها تتشارك فيها مع دول مجاورة، وهي الموارد التي توفر فُرصاً لا حصر لها للتعاون والتكامل الإقليمي.
وهذا كله يعني أنه إذا تم ملء وتشغيل سد النهضة بشكل أحادي، وفي غياب اتفاق يحقق المنفعة للجميع ويحمي الأرواح وسُبل العيش لمجتمعات دولتي المصب، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الواقع الهيدرولوجي الصعب ويعرض الملايين في مصر والسودان للخطر.
في الوقت ذاته، نحن ملتزمون بالعمل بلا كلل لدعم جهود إخواننا في الدول الأفريقية، وخاصةً دول حوض النيل بما فيها إثيوبيا، لتحقيق الرفاهية؛ الأمر الذي يؤكده التاريخ الطويل للتعاون البنّاء بين مصر وتلك الدول في تنفيذ مشروعات تنموية عديدة؛ منها بناء السدود ومشروعات حصاد الأمطار وحفر الآبار وإزالة الحشائش التي تعيق تدفق النهر.
ويعكس ما تقدم إيماننا الثابت بمصيرنا المشترك كأفارقة، ويؤكد اقتناعنا بأن نهر النيل ليس حِكراً على مصر أو ملكية خالصة لأي دولة مشاطئة أخرى لهذا النهر، وإنما هو ميراث مشترك و وديعة مُقدسة لخير شعوبنا جميعاً.
ولذلك انخرطت مصر خلال ما يقرب من عقد كامل من الزمان في مفاوضات مُضنية حول سد النهضة، وكان هدفنا خلال هذه المفاوضات الشاقة هو الوصول إلى اتفاق عادل يمكن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية المشروعة وفي نفس الوقت يقلص من الآثار العكسية والضارة لهذا السد علي المجتمعات في دولتي المصب، وقد عملنا وبذلنا الجهد للتوصل إلى هذا الاتفاق حتى تستفيد إثيوبيا من القدرات التنموية لهذا السد مع الحد من مخاطره على كل من مصر والسودان.
السيد الرئيس،
على ضوء ما حواه خطابا حكومة جمهورية مصر العربية اللذان وُجِها إلى مجلس الأمن بتاريخ الأول من مايو و19 يونيو 2020 من تفاصيل خاصة بمراحل التفاوض حول سد النهضة، فإنني سأكتفي هنا بعرض المحطات والملامح الرئيسية لهذه المفاوضات الشاقة التي شاركنا فيها بحُسن نية وأظهرنا إرادة سياسية صادقة للتوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن يحفظ حقوق الدول الثلاث التي تتشارك في النيل الأزرق.
فمنذ أن بدأت إثيوبيا بشكل منفرد في بناء سد النهضة، شهدت المفاوضات العديد من الاجتماعات الثلاثية والقمم الثنائية بين قادة الدول الثلاث.
وبالإضافة إلى ذلك، وفيما يؤكد التزامنا الذي لا يتزعزع وإيماننا الراسخ بقيم قارتنا الأفريقية، فقد عقدنا وشاركنا في عدة قمم واجتماعات ثنائية ومتعددة الأطراف مع أشقائنا الأفارقة لتيسير التوصل إلى اتفاق يُؤَمّن لإثيوبيا توليد الكهرباء بكفاءة واستدامة مع الحد من الآثار السلبية لهذا السد، ومنع حدوث الضرر الجسيم لدولتي المصب بسببه.
كما عقدنا عدداً لا يحصى من الاجتماعات الثلاثية لوزراء الموارد المائية وللخبراء الفنيين، بالإضافة إلى لقاءات عديدة لوزراء الخارجية لإحاطة هذه المفاوضات بالدعم السياسي، كما شكلنا لجنة مستقلة من الخبراء الهيدرولوجيين لإعداد رؤية محايدة لسيناريوهات ملء وتشغيل سد النهضة.
ولكن، للأسف، لم تُحقق هذه الجهود أي نجاح.
ولتخطي هذه العقبات وإعطاء دفعة لمحادثاتنا، فقد أبرمت الدول الثلاث في 23 مارس 2015، اتفاق إعلان المبادئ حول سد النهضة الأثيوبي، وهو اتفاق دولي وضع التزامات واضحة لا غموض أو لبس في مضمونها، أهمها إعادة تأكيده على التزام إثيوبيا القانوني بإجراء دراسات فنية تفصيلية حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية والبيئية العابرة للحدود للسد، وعلى التزام إثيوبيا السياسي والقانوني بالتوصل إلى اتفاق على القواعد الحاكمة لعمليتي ملء وتشغيل سد النهضة بين الدول الثلاث، والالتزام بعدم المضي في ملء وتشغيل هذا السد إلا بعد التوصل لهذا الاتفاق، والذي سيضمن لإثيوبيا الاستفادة من الطاقة الكهرومائية لهذا المشروع مع الحد في الوقت نفسه من آثاره السلبية على دولتي المصب.
وللأسف، ورغم أن الدول الثلاث تعاقدت مع استشاري دولي للقيام بهذه الدراسات حول آثار السد، إلا أن عملية إجراء هذه الدراسات قد عُرقِلت، فلم يتم الانتهاء منها. كما أنه لا توجد لدينا ضمانات حقيقية حول أمان هذا السد وسلامته الإنشائية، ما يعني أنه، وعلى ضوء غياب البيانات العلمية والفنية الكافية عن هذا السد، فإن مجتمعات دولتي المصب مهددة بأن تعيش تحت وطأة تهديد لا يُعرف مداه ولا أبعاده.
فإذا وقع مكروه – لا قدر الله- لهذا السد الضخم، فإن ذلك سوف يعرض الشعب السوداني الشقيق لمخاطر وجودية في غضون أيام قليلة، كما سيُعرض مصر أيضاً لمخاطر جمة. وهي المخاوف التي لها ما يبررها، ولعلنا نستذكر ما حدث عام 2010 في سد جيبي 2 على نهر “أومو” الذي انهار جزء منه بعد بضعة أيام من افتتاحه، والآثار التي ترتبت على ذلك.
كما أنه من المؤسف أن مصر تعرضت، وطوال المسار المضني لهذه المفاوضات، إلى حملة غير مبررة من المزاعم التي تدعي أنها تسعى لإرغام أطراف أخرى على القبول باتفاقات وتفاهمات ترجع لحقبة استعمارية غابرة، إلا أن واقع الأمر هو أن إثيوبيا لم تبرم أية اتفاقيات وهى خاضعة للاستعمار أصلاً، بل إن كافة الاتفاقيات ذات الصلة بنهر النيل وقعتها إثيوبيا كدولة مستقلة، ومنها الاتفاق الذي أبرمه إمبراطور الحبشة بإرادة حرة مع بريطانيا سنة 1902 والذي يحول دون بناء إثيوبيا لمنشآت تؤثر على سريان المياه في مجرى النيل الأزرق، ومنها أيضا الاتفاق الإطاري للتعاون الذي وقعه رئيس وزراء إثيوبيا الراحل ميليس زيناوي مع رئيس مصر سنة 1993 والذي الزمها بعدم إحداث أي ضرر ذي شأن بالمصالح المائية المصرية، فضلاً عن اتفاق إعلان المبادئ لسنة 2015. وكلها اتفاقيات سارية وملزمة يتعين على كافة الأطراف احترامها وتنفيذها.
السيد الرئيس،
مع قرب انتهاء عملية إنشاء سد النهضة، وبعدما ثبت عدم نجاح كافة الأطر التفاوضية السابقة، دعت مصر الولايات المتحدة الأمريكية والبنك الدولي، باعتبارهما شركاء دوليين لجميع الأطراف، للمشاركة في محادثاتنا للمعاونة في جسر الهوة بين دولنا الثلاث.
وقد أفضى هذا المسار، ولأول مرة منذ ما يقرب من عقد من المحادثات وبعد مفاوضات مكثفة شاركت فيها الدول الثلاث، إلى اتفاق تم إعداده برعاية الولايات المتحدة وبمساهمة فنية من قبل البنك الدولي، وهو الاتفاق الذي قبلته مصر ووقعته بالأحرف الأولى ورفضت إثيوبيا توقيعه في آخر لحظة، رغم أنه وفر حلاً عادلاً ومتوازناً يراعي مصالح كافة الأطراف ويحفظ حقوقها المائية.
هذا، وقد أُرسل هذا الاتفاق مُرفقاً بخطاب مصر الموجه إلى مجلس الأمن بتاريخ 19 يونيو2020، وذلك ليكون متاحاً للمجتمع الدولي كدليل على مدى حسن نية مصر وكبرهان، لا يطاله شك، على أنه كان هناك اتفاق منصف وعادل متاح للأطراف كلها للتوقيع عليه.
وانطلاقاً من رغبة مصر الصادقة في استكشاف كل فرص التوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، فقد شاركنا في الجولة الأخيرة للمفاوضات التي عقدت بدعوة من جمهورية السودان، إلا أن هذه المفاوضات لم تنجح، حيث رأت مصر أنه من الضروري أن تخلص مفاوضاتنا إلى اتفاق قانوني وملزم وفق أحكام القانون الدولي، وأنه يتعين أن يرد فيه تعريف دقيق لحدود الضرر الجسيم الذي يجب منع وقوعه، فضلاً عن آلية لفض النزاعات لضمان التنفيذ الكامل للاتفاق. إلا أنه تم الدفع بأنه من الأنسب أن يُكْتفى بالتوصل لمجرد إرشادات ذات طبيعة قانونية مبهمة وغير واضحة ويجوز تعديلها بشكل أحادي. كما أقتُرح ألا تتضمن هذه الورقة التزاماً واضحاً بعدم إلحاق الضرر الجسيم بدول المصب.
وتأكيداً لموقفها المبدئي القائم على ضرورة ملء وتشغيل سد النهضة وفق اتفاق يحقق المنفعة للأطراف كافة ويعزز من مصالحها المشتركة، قبلت مصر دعوة فخامة الرئيس سيريل رامافوزا رئيس جمهورية جنوب أفريقيا لعقد اجتماع غير عادي لهيئة مكتب القمة الأفريقية يوم 26 يونيو الجاري للتشاور حول هذا الموضوع.
وقد هدف هذا الاجتماع إلى ضمان التوصل لاتفاق حول سد النهضة في أسرع وقت ممكن، وعليه تم الاتفاق على عقد اجتماعات فنية على المستوى الحكومي لتحقيق هذا الهدف خلال أسبوعين.
كما التزمت إثيوبيا خلال هذا الاجتماع بألا تتخذ أي إجراءات أحادية لملء خزان سد النهضة قبل التوصل إلى الاتفاق، وهو التعهد الذي لا يمكن تفسيره إلا كالتزام واضح بضمان ألا يتم ملء سد النهضة إلا وفق قواعد تتفق عليها الدول الثلاث.
إن أي فهم آخر أو تفسير مغاير لهذا الالتزام سوف يشي بغياب الإرادة السياسية للتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة وسيكشف عن رغبة لفرض أمر واقع غير مقبول على دولتي المصب، وسعي لإنفاذ إرادة دولة المنبع على دولتين تشاركها في نهر دولي، وهو ما سيجعل أي مفاوضات أخرى بمثابة جهد عبثي.
السيد الرئيس،
إنه من واجب مجلس الأمن أن يأخذ علماً بنتائج اجتماع هيئة مكتب القمة الأفريقية وأن يُرحب بها ويدعو الدول الثلاث للالتزام بتعهداتها التي قطعتها على نفسها.
وفي حين أن المنظمات الإقليمية لديها دوراً هاماً، فإننا كأعضاء مسئولين في المجتمع الدولي، وبما لا شك فيه أن مجلس الأمن يظل هو الجهاز الأهم في النظام الدولي فيما يتعلق بالموضوعات ذات الصلة بحفظ السلم والأمن الدوليين. واستناداً لذلك، وعلى ضوء مسئوليته لحفظ السلم والأمن الدوليين وفق ميثاق الأمم المتحدة فإن مصر توجهت بهذه القضية إلى مجلس الأمن. ومع استمرارنا في الانخراط في عملية تفاوضية في إطار آلياتنا الأفريقية، يظل من الضروري قيام هذا المجلس، وهو جهاز رئيسي بالمنظمة بالانخراط النشط في هذا الموضوع.
إن ملء سد النهضة بشكل أحادي ودون اتفاق مع مصر والسودان سوف يهدد مصالح دولتي المصب اللتين يعتمد وجودهما وبقاؤهما على نهر النيل. كما أن تشغيل هذا السد العملاق بشكل أحادي قد يكون له تأثيرات اجتماعية واقتصادية مدمرة سوف تؤثر على كافة مناحي الأمن الإنساني للمصريين، بما في ذلك الأمن الغذائي والأمن المائي والأمن البيئي والصحة العامة، كما أنه سيعرض الملايين لمخاطر اقتصادية ستؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة والجريمة والهجرة غير الشرعية، فضلاً عن التأثير على النُظم البيئية والتنوع البيولوچي وزيادة المخاطر الناجمة عن تغير المناخ.
إن مثل هذه المخاطر التي تَلوح أمامنا تمثل تهديداً خطيراً للأمن والسلم الدوليين، كما قد تنجم عنها آثار سياسية خطيرة بل مُزلزلة، حيث ستوضع دولتا المصب في موقف لا يمكن تحمله وسيتولد مناخ من العداء بين بلداننا، وستُزرع بذور التناحر بين شعوبنا.
ومن هنا، فإنه يتعين على مجلس الأمن والمجتمع الدولي أن يبذل كل الجهد ويدعم أي مبادرة قد تساهم في إزالة هذا الخطر الداهم ورفع هذا التهديد الذي يلوح في الأفق.
فرغم أن موقفنا يظل هو أن الحل الناجع لمسألة سد النهضة يتمثل في التوصل إلى اتفاق عادل ومتوازن، إلا أن مصر سوف تحفظ وتؤمن المصالح العليا للشعب المصري – فالدفاع عن البقاء ليس محض اختيار، إنما هو مسألة حتمية تفرضها طبيعة البشر.
وبالتالي، فإننا نناشد مجلس الأمن لحث الأطراف على التفاوض بحسن نية للتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة، والامتناع عن أي إجراءات أحادية حتى إبرام هذا الاتفاق… وحتى نصل إلى مُبتغانا هذا، يجب أن يظل الأمر قيد نظر المجلس في إطار اضطلاعه بواجباته.
وفي هذا السياق، فقد تقدمت مصر بمشروع قرار لتداول مجلس الأمن بشأنه، وهو النص الذي يتسق مع مخرجات اجتماع هيئة مكتب الاتحاد الأفريقي، حيث يدعو الدول الثلاث للتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة في غضون أسبوعين، ولعدم اتخاذ إجراءات أحادية فيما يتعلق بسد النهضة، ويؤكد على الدور الحيوي لسكرتير عام الأمم المتحدة في هذا الصدد. إن مشروع القرار الذي تقدمت به مصر لا يرمي إلى الافتئات على أي عملية تفاوضية أو استباقها، وإنما يهدف إلى تأكيد اهتمام وحرص المجتمع الدولي، على أعلى مستوى، على التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، وإدراكه لخطورة اتخاذ أي إجراءات أحادية في هذا الشأن.
وفي الوقت الذي نمد فيه بكل الثقة يد الصداقة لأشقائنا، فإننا ننتظر من إخواننا الذين نشاركهم نهر النيل أن يُبادلونا حسن النية وأن يتصرفوا بمسئولية، ففي الوقت الذي ندعم بكل الصدق حق إثيوبيا في التنمية، بما في ذلك من خلال استخدام مواردنا المائية المشتركة، فإننا نؤمن بأن العدالة تقتضي أن تحترم إثيوبيا حق مصر في الحياة.
فكما قال فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي في خطابه أمام الجلسة المشتركة للبرلمان الأثيوبي، وهنا اقتبس:
“أدعوكم اليوم لكى نضع معاً ركائز مستقبل أفضل لأبنائنا ولأحفادنا.. مستقبلٌ تُضاء فيه كل فصول المدارس في إثيوبيا.. ويشرب فيه كل أطفال مصر من نهر النيل كعهد آبائهم وأجدادهم.. مستقبلٌ يتسع فيه اقتصاد البلدين ليستوعب قوتهما العاملة بما يضمن العيش الكريم لشعبينا.. ويحقق الإنتاج الوفير لبلدينا.. ولكى يستعيدا مكانتهما بين الأمم بما يتسق مع تاريخهما وقدراتهما”
وفي الختام، سيدي الرئيس، أود أن أؤكد مجدداً على أننا مستعدون لبذل كل الجهد للتوصل إلى اتفاق حول سد النهضة. لذا، فإنني أدعو أصدقائي وزملائي في إثيوبيا والسودان إلى استدعاء روح الأخوة والقربى التي تربط بين بلادنا وشعوبنا، وأن نعلي الحقيقة الثابتة بوحدتنا وترابطنا، وأن نغتنم الفرصة السانحة أمامنا لصياغة مصائرنا وإعادة كتابة تاريخنا، ورسم مسار جديد من السلام والرخاء لشعوبنا.
شكراً سيدي الرئيس”.