نعم .. نستطيع
بقلم : أحمد الشاعر
لم أعش طفولتي في مصر، ومع ذلك كانت لديّ غيرة شديدة على بلدي، لدرجة أن الحُلم الذي ظل يراودني منذ الصغر هو أن أرى مصر متقدمة مثل الدول الأوروبية التي عشت فيها.
نعم، ولدت في العاصمة النمساوية فيينا لأم نمساوية وأب مصري درس في جامعة فيينا بكلية السياحة والفنادق.
وعشت في النمسا معظم فترة طفولتي، إلى أن قرر والدي إرسالنا للعيش في مصر، للحفاظ على هُويتنا المصرية، بينما يكمل هو مسيرة نجاحه التي حققها في النمسا.
ثم جاءت لحظة تخرجي في المدرسة الألمانية، وكان الاختيار بين السفر إلى النمسا، أو البقاء في مصر.
لم ألتفت إلى قرارات العقل، وسرت وراء القلب وهواه في مصر، وقررت فعلاً البقاء.
ومع مرور الوقت كنت أقارن بين سُبل الحياة في أوروبا ومصر، وكان الفارق كبيراً، بل شاسع، وكان البعض يقول إن الفرق بيننا وبين أوروبا مئات السنوات الضوئية، للوصول إلى ما وصلوا إليه من تقدم واحترام آدمية مواطنيهم.
لكن، الأمل لم يتركني للحظة، حبي لهذا الوطن وإيماني بأن الشعب المصري يستحق حياة أفضل جعلني متمسكاً بوجودي في مصر أكثر وأكثر لأشهد لحظة التغيير.
كانت وسائل النقل قديمة غير متطورة، ولا تلبي احتياجات مستقليها، وكانت الحياة في العشوائيات هي عنوان البرامج الحوارية التي قدمت منها الكثير لرصد واقع يندى له الجبين.
وكانت الطرق جودتها سيئة للغاية، وكان المواطن البسيط مثقلاً بالأعباء، وكان الحفاظ على صحة المواطنين يمثل تحدياً كبيراً للدولة، بسبب انتشار بعض الأمراض المزمنة والمستعصية مثل فيروس سي.
وكنت أقول لنفسي: متى سيأتي اليوم الذي أرى فيه الحياة في مصر مثل الدول المتقدمة؟
كلما تذكرت النمسا كنت أنبهر جداً بشكل الحياة هناك، وإمكانية السير والاستمتاع بالمشاهد الخلابة التي كانت تحيط بي، بخلاف طبعاً التطور الكبير في قطاع النقل والمواصلات الذي بلغ غايته.
مرّت السنوات وكدت أفقد الأمل، وتصوّرت أننا رغم القدرة البشرية والطاقة الهائلة التي نمتلكها إلا أننا ينقصنا شيء، وهو أن نرى الأشياء الجميلة فقد كنا تعوّدنا على القبح حتى أصبح عنواناً لكل شيء في حياتنا.
وكل محاولة للتجديد كانت تفشل حتى ولو كان التجديد مجرد كرسي جلد وتكييف في أتوبيس نقل عام، وذلك بسبب غياب ثقافة الصيانة والمتابعة، بالتالي نعود دائماً إلى المربع صفر.
ثم حدثت الطفرة، طفرة لم أكن أتوقع حدوثها في حياتي أنا شخصياً إنما بعد مائة عام أو أكثر.
هذه الطفرة هي فكر وإرادة حقيقية لقائد يريد أن يتحدى كل شيء لتغيير هذا الواقع برؤية واضحة وخطة مكتوبة، رؤية قال عنها القائد: “أنا عارف وشايف مشاكل مصر زي مانا شايفكم قدامي كده دلوقتي”.
وكانت الانتفاضة، نعم هي انتفاضة مصرية، انتفاضة إلى الأمام، انتفاضة الجميع مشارك فيها وعلى كل المستويات وفي جميع الملفات، وبحلول جذرية وبرؤية متطورة تخطط لعقود مقبلة وأجيال قادمة بدءاً من مدن جديدة ذكية في كل أنحاء الجمهورية وليست القاهرة فقط، ووسائل نقل ومواصلات حديثة بينها القطار “المونوريل”.
وحافلات نقل الركاب متطورة جداً بها كل الخدمات وإنشاء محاور وطرق وكباري بخصائص ومواصفات أمن وسلامة على غرار الدول الكبرى، إضافة إلى الاهتمام بالصحة من خلال عدد من المبادرات الهامة مثل «١٠٠ مليون صحة».
والكشف على نساء مصر وحمايتهن من أخطار سرطان الثدي، ثم مبادرة «حياة كريمة» التي بدأت كمبادرة، وتطورت إلى أن وصلت إلى مشروع قومي لتطوير الريف المصري، بما يكفل ويضمن حياة كريمة لكل مواطن في كل شبر بمصر.
ما أجمل هذا الشعور، الشعور بأن مصر تستطيع وأنها على هذا الطريق الآن، وهو طريق التغيير الآدمي لمصر وشعبها الذي يستحق أن يحيا حياة كريمة. فقد تحمّل هذا الشعب الكثير على مدار العقود السابقة.
اليوم، وأنا أعيش في مصر أستطيع أن أقول إن ما يحدث في مصر الآن من ثورة كاملة في كافة القطاعات تمثل وتجسد الكرامة الإنسانية للمواطن المصري.
ثم يأتي دور المواطن في الحفاظ على ما يتم الآن كي ننطلق في آفاق المستقبل ونواكب دول العالم في صناعة حياة أفضل من أجل مستقبل أفضل للأجيال القادمة.