صدق أو لا تصدق .. هل كان هناك علاقة خارجية تاريخية بين الحضارة المصرية والحضارة اليمنية

لايت نيوز

استمع الي المقالة
0:00

صدق أو لا تصدق .. هل كان هناك علاقة خارجية تاريخية بين الحضارة المصرية والحضارة اليمنية.

بقلم/ الكاتبة الروائية سها العسكري

لكل حضارة قديمة أسرارها الغامضة وتاريخها المميز، والذي لا يزال يدهشنا إلى هذه اللحظة، حتى وإن مرت عليها آلاف السنين.

فماذا لو كان هذا السر وليد بين حضارتين لهما ثقلهما الخاص، مثل الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية) والحضارة اليمنية القديمة (مملكة معين)، وهذا السر متمثل في تابوت يقدر عمره بآلاف السنين، وكان لتاجر يمني يدعي (زيد أيل) والتي كانت تجارته هي خير دليل يشهد مدى التعاون بين الحضارتين آنذاك.

هذا التابوت (لزيد أيل بن زيد بن بني ظيران) الذي كان يستورد المر والقليعة لبيوت آلهة مصر في أيام بطليموس بن بطليموس، ومات زيد أيل في شهر هاتور، وأرسلوا بخور من كل بيوت آلهة مصر، وأهدوه كسوه كتان لقاربه الجنائزي، ورفعوه بواسطه ندباية وأوصلوه إلى معبد الإله (أوزير حب) في شهر كيهك سنه ٢٢ لبطليموس الملك، وأودع جثمان وتابوت زيد أيل حمايه أوزير حب، والآلهة التي معه في معبده.

هذا النص، مكتوب على هذا التابوت الخشبي، ولكن (بخط المسند)، فهذا النص ما هو إلا دليل قاطع علي وجود اندماج وعلاقة وثيقة بين الحضارة اليمنية القديمة والحضارة المصرية الفرعونية، مما يدل على عمق التاريخ الحضاري والتجاري بينهما.

فهذا التابوت موجود في مصر في المتحف المصري بالقاهرة، وهو لتاجر يمني ينتمي إلى مملكة معين اسمه (زيد أيل)، توفي في مصر أثناء رحله عمل، حيث إن التجار اليمنيون كانوا هم المورد الرئيس للنباتات العطرية والبخور، والتي كانت تستخدم في المعابد المصرية القديمة، فالنقوش التي وجدت على التابوت على دليل على عمق العلاقة حتى في النسب.

حيث إن (زيد أيل) من كثره حبه لمصر تزوج من امرأة مصرية. ويختم (زيد أيل) حديثه في النص المنقوش بنوع من الدعاء للآلهة، فهو يريدها أن تضفي حمايتها علي تابوته، فهو يجمع في هذا الدعاء بين الإله المصري (أوزير حب) وبين آلهة موطنه الأصلي، ولكن للأسف مومياء (زيد أيل) سرقت من زمن بعيد علي يد عصابات ومافيا الآثار.

اشترى المتحف المصري بالقاهرة هذا التابوت من أحد تجار الآثار من أكثر من مائة عام، وهو محفوظ الآن في مخازن المتحف، والتابوت من دون غطاء، وهو مصنوع من خشب الجميز، والتابوت يرجع لعصر البطالمة، نظراً إلى وجود عبارة (بطليموس بن بطليموس) الذي تميز عصره بفتح طريق التجارة مع الجزيرة العربية.

وقد اختلف العلماء حول مصدر التابوت، فقال بعضهم أن مصدره الفيوم نظراً إلى وجود جاليه عربية في الفيوم في عصر البطالمة، كان أفرادها يشتغلون كحرس في الصحراء، وأطلق باحثون آخرون على التابوت اسم (تابوت بولاق) نسبة إلى متحف بولاق حيث حفظ التابوت لأول مرة، ثم (تابوت الجيزة)، لكن من دراسة النقوش تم التوصل إلى أن المصدر الأصلي للتابوت في الأغلب في جبانه سقارة.

فأكاد أجزم أنني لو كنت فرداً من أفراد صناع السينما، لكنت كتبت فيلماً سينمائياً أو حتى وثائقياً عن قصه (زيد بن أيل) بكل تفاصيلها، الذي من المؤكد أنه سيكون عملاً فنياً تاريخياً ذا قيمه كبيره وعظيمة.

وفي العموم فإننا نقف بكل إجلال وفخر أمام ذكري يمني أصيل محب للحضارة الفرعونية القديمة، لدراسة هذه النقوش والتعرف على صفحة مشرقة من صفحات تاريخ أبناء اليمن في مصر، فهذا يعتبر أثراً وأثراً كبيراً لم يمنح لأحد سواه، فإيداع جثمانه في تابوت مكتوب عليه بخط المسند اليمني داخل مقبرة معبد إله مصري، لم يحدث مع أي شخص آخر، وهذا دليل على التكريم والمنزلة الكبيرة التي تمتع بها اليمنيون على أرض الكنانة.