ساموراي
تهتم العديد من العلوم الإنسانية بدراسة طبيعة البشر واختلافاتهم بين شعوب وأجناس العالم، وقد تربط تلك العلوم بين الاختلاف البيولوجي وبين الطباع العامة والعادات والتقاليد، وبما ينعكس على النمط البشري العام لشعوب بعينها ثقافةً وفكرًا ومعيشةً. والأمر حقًا بالغ التعقيد ولكنه ممتع للمتخصصين والدارسين والعلماء في هذا المجال.
ولعل أشهر العلوم المعروفة في هذا المجال هو علم الأنثروبولوجي «Anthropology» الذي يُعرَّف بأنه الدراسة المنهجية للبشرية، بهدف فهم أصولنا التطورية وتميز البشر كنوع، والتنوع الكبير في أشكال وجودنا الاجتماعي عبر العالم وعبر الزمن، كما أنه يهتم بالدراسة العلمية للإنسانية، وبالسلوك البشري، والبيولوجيا البشرية، والثقافات والمجتمعات واللغويات، في كل من الحاضر والماضي، بما في ذلك تطور الأجناس البشرية منذ العصور القديمة.
يُذكر هنا أن الأنثروبولوجي علم وتخصص موجود بقوة في الجامعات المصرية.
ولعل أكثر ما جذب انتباهي من بين الثقافات العجيبة لشعوب العالم، هي ثقافة الساموراي في اليابان «Samurai» الذين- الساموراي- كانوا يمثلون طبقة الضباط والعسكريين في اليابان في العصور الوسطى وبدايات العصر الحديث، منذ نهايات القرن الثاني عشر الميلادي حتى تم إلغاؤهم في عام 1876.
وكانت للساموراي مكانة اجتماعية عالية وامتيازات خاصة، منها الحق في حمل سيفين بدلًا من واحد، والحق في قتل أي شخص من الطبقات الأدنى ولكن بشروط معينة. وكانت رءوسهم تحمل عقائد مثل عقيدة بوشيدو «Bushido)» للفضائل الأخلاقية عند القتال، وكذلك تحمل فلاسف عديدة مثل اللا مبالاة بالألم، والولاء الذي لا يتزعزع، والتصميم على النصر، وعدم قبول الهزيمة.
وقد كان الظهور الأقوى للساموراي في الفترة بين 1185 و1333م، حيث كانوا يشكلون الطبقة السياسية الحاكمة، وكانت لهم سلطة كبيرة، ولكن في المقابل كانت عليهم مسئوليات أكبر، وقد أظهروا براعتهم الحربية والقتالية وتحملهم المسئولية في صدهم لغزو المغول في القرن الثالث عشر.
أما خلال الفترة الزمنية الهادئة التي خلت من الحروب بين الأعوام 1603 و1868 فقد تفرغ الساموراي لإدارة العقارات، واكتسبوا العديد من الخبرات في الإدارة والتعليم.
وحتى سبعينيات القرن التاسع عشر، كانت عائلات الساموراي تشكل 5٪ من السكان، ولكن مع ظهور الجيوش الحديثة في القرن التاسع عشر، أصبح جندي الساموراي بشكله التقليدي القديم رمزًا تاريخيًا أكثر من أن يكون جنديًا بشكل عملى، كما أنه كان يشكل كلفة اقتصادية أعلى بكثير من الجندي الحديث، فتم إلغاء الساموراي لتظل ذكراهم وأزياؤهم وتراثهم وأسلحتهم علامةً بارزةً في الثقافة الشعبية اليابانية.
ولعل أكثر ما شد انتباهي من عادات الساموراي، هو طقوس سيبٌُوكو «Seppuku» التي كان يمارسها مقاتل الساموراي إن فشل في تحقيق مهامه أو عند الهزيمة، أو إذا أتى بتصرف يتنافى وأخلاق وفلسفة الساموراي، والسيبُّوكو هو اسم الطقوس بشكل عام، حيث يقوم الساموراي- وبيده- بقطع بطنه وانتزاع أحشائه، وهو ما يُسمى هارا كيري «Hara-Kiri»، وتعني باليابانية «قطع البطن».
وتتضمن الطقوس أيضًا قيام ساموراي آخر بقطع رأس الساموراي المنتحر إن لم يكن قطعه لبطنه كافيًا لموته كدليل على الرحمة!
وعلى الرغم من أن السيبُّوكو كان في الأصل مخصصًا للساموراي في ميثاق الشرف الخاص بهم، ولكن بعض الضباط اليابانيين من غير الساموراي مارسوه أيضًا قرب نهاية الحرب العالمية الثانية لاستعادة الشرف لأنفسهم ولعائلاتهم عند الهزيمة، أو للموت بشرف بدلًا من الوقوع في يد الأعداء كأسرى، مما يدل على تأثير ثقافة الساموراي في عموم اليابانيين.
وبلا شك أن هذه الفلسفة الانتحارية تتنافى مع تعاليم الأديان السماوية، ولكن ما يستحق الاحترام حقًا هو تلك الدرجة العالية من تحمل المسئولية بشرف عند الفشل أو الهزيمة.