حكام التاريخ العجيب: ملوك على العرش لدقائق ورضع على سدة الحكم!

مقالات

استمع الي المقالة
0:00

حكام التاريخ العجيب: ملوك على العرش لدقائق ورضع على سدة الحكم!

لطالما سُحرت البشرية بقصص الملوك والحكام، تلك الشخصيات التي تعتلي عروش السلطة وتُغير مجرى التاريخ. لكن بين صفحات الكتب القديمة وسجلات الممالك الغابرة، تكمن حكايات استثنائية لملوك اعتلت عروشًا في ظروف لا تُصدق، حكايات تتحدى المنطق وتُثير الدهشة: ملوك حكموا لدقائق معدودة، وآخرون تولوا السلطة وهم لا يزالون رضّعًا. هذه القصص ليست مجرد حكايات خيالية، بل هي وقائع تاريخية تُسلط الضوء على تقلبات السياسة وصراعات العروش، وتُثبت أن القدر يمكن أن يضع التاج على رأس أي شخص، مهما كان عمره أو مدة حكمه.


ملك حكم 20 دقيقة: أقصر فترة حكم في التاريخ الحديث!

من بين القصص الأكثر إثارة للدهشة، تبرز قصة الملك لويس فيليب الأول (Louis Philippe I)، الذي يُنسب إليه لقب صاحب أقصر فترة حكم في التاريخ الحديث، بل قد تكون الأقصر على الإطلاق: حوالي 20 دقيقة فقط!

تفاصيل القصة:

  • خلفية الأحداث: تدور هذه القصة في فرنسا، وتحديدًا في العام الثوري 1848. كانت فرنسا تشهد اضطرابات سياسية واسعة النطاق، وموجة من الثورات الشعبية التي أطاحت بالعديد من الأنظمة الملكية في أوروبا.
  • ثورة فبراير: في فبراير 1848، اندلعت ثورة كبرى في باريس ضد الملك لويس فيليب الأول، الذي كان يُعرف بـ “ملك الفرنسيين”. تزايدت الضغوط الشعبية والسياسية عليه، مما دفعه إلى التنازل عن العرش.
  • التنازل والوريث: تنازل لويس فيليب الأول عن العرش في 24 فبراير 1848. ووفقًا لخط الخلافة، كان الوريث الشرعي هو حفيده البالغ من العمر 9 سنوات، الأمير فيليب، كونت باريس (Philippe, Count of Paris).
  • لحظة “الحكم”: بعد تنازل جده، أُعلن الأمير فيليب ملكًا على فرنسا في قصر التويلري. حضر مسؤولون، وبرلمانيون، وحتى بعض العامة هذه اللحظة. على الأوراق، أصبح الطفل فيليب ملكًا لفرنسا.
  • 20 دقيقة ونهاية العرش: لكن هذا الإعلان لم يدم طويلاً. فبينما كانت الإجراءات تجري لإعلان الملك الجديد، كانت الثورة الشعبية تتصاعد في الشوارع. الحشود الغاضبة اقتحمت القصر بعد حوالي 20 دقيقة فقط من إعلان فيليب ملكًا. لم تتمكن الملكة ووالدة فيليب من السيطرة على الوضع أو حماية العرش. لم يتمكن الصغير فيليب من أداء أي مهام ملكية حقيقية، ولم تُعرف له أي قرارات.
  • نهاية الملكية: أدت هذه الفوضى إلى الإطاحة بالملكية الفرنسية بشكل كامل، وإعلان الجمهورية الثانية (Second French Republic). وهكذا، أصبح الأمير فيليب، كونت باريس، ملكًا لفرنسا لمدة تُقدر بـ 20 دقيقة، قبل أن يُجبر على مغادرة البلاد مع عائلته.
  • الأثر: هذه القصة تُعد مثالًا صارخًا على مدى هشاشة السلطة في أوقات الاضطرابات، وكيف يمكن للأحداث أن تُغير مجرى التاريخ في غضون دقائق.

ملوك تولوا السلطة وهم رضع: العرش قبل المشي!

الوراثة الملكية غالبًا ما تتبع خط الدم، وهذا يعني أنه لا يهم عمر الوريث عندما يحين دوره لتولي العرش. التاريخ مليء بقصص ملوك تولوا السلطة وهم لا يزالون أطفالًا، بل حتى رضّعًا لا يستطيعون المشي أو الكلام. هؤلاء الملوك عادة ما تُحكم باسمهم وصاية أو مجلس وصاية يدير شؤون المملكة.

أمثلة بارزة على ملوك رضع:

  1. الملك هنري السادس ملك إنجلترا (Henry VI of England):

    • تولي العرش: أصبح ملكًا لإنجلترا في 31 أغسطس 1422، وكان عمره آنذاك 9 أشهر فقط! جاء ذلك بعد وفاة والده المفاجئة، هنري الخامس.
    • أثر الحكم: بسبب صغر سنه، تولى مجلس وصاية الحكم نيابة عنه. امتدت فترة حكمه الرسمية لما يقرب من أربعة عقود، وشهدت فترة مضطربة للغاية في تاريخ إنجلترا، بما في ذلك حرب الوردتين الطاحنة، وفقدان معظم الأراضي الإنجليزية في فرنسا. كان هنري السادس نفسه شخصية ضعيفة وغير قادرة على الحكم بفعالية، مما أدى إلى نوبات جنون متكررة، وفي نهاية المطاف فقد العرش.
  2. الملكة ماري ملكة اسكتلندا (Mary, Queen of Scots):

    • تولي العرش: تُوجت ملكة على اسكتلندا في ديسمبر 1542، وكانت تبلغ من العمر 6 أيام فقط! جاء ذلك بعد وفاة والدها الملك جيمس الخامس.
    • أثر الحكم: قضت ماري معظم طفولتها في فرنسا، بينما كانت اسكتلندا تُحكم بواسطة وصاة. حياتها كانت مليئة بالدراما والمآسي والصراعات السياسية والدينية، وانتهت بإعدامها في إنجلترا.
  3. الملك ألفونسو الثالث عشر ملك إسبانيا (Alfonso XIII of Spain):

    • تولي العرش: وُلد ملكًا في 17 مايو 1886، حيث توفي والده الملك ألفونسو الثاني عشر قبل ولادته بخمسة أشهر.
    • أثر الحكم: حكمت والدته، ماريا كريستينا من النمسا، وصية عليه حتى بلغ السادسة عشرة من عمره. شهدت فترة حكمه تغيرات سياسية واجتماعية كبيرة في إسبانيا، وانتهت بإعلان الجمهورية الإسبانية الثانية عام 1931، وذهابه إلى المنفى.
  4. القيصر إيفان السادس من روسيا (Ivan VI of Russia):

    • تولي العرش: أصبح إمبراطورًا لروسيا في أكتوبر 1740 وهو في عمر شهرين فقط.
    • أثر الحكم: سرعان ما أطاحت به انقلاب قصر بعد عام واحد فقط من حكمه. قضى بقية حياته القصيرة في السجن، وقُتل في نهاية المطاف في محاولة فاشلة لتحريره.

دلالات تاريخية: السلطة والقدر

هذه القصص ليست مجرد نوادر تاريخية، بل تُقدم دلالات عميقة حول طبيعة السلطة:

  • هشاشة العروش: تُظهر قصة الملك لويس فيليب وريثه الطفل مدى هشاشة العروش وتغير الأنظمة السياسية تحت وطأة الثورات والاضطرابات الشعبية.
  • قوة المؤسسة لا الفرد: في حالات الملوك الرضع، تُبرز هذه القصص أن العرش والمؤسسة الملكية يمكن أن تستمر وتُدار حتى في غياب ملك بالغ وقادر، مما يُشير إلى قوة الهياكل السياسية والمؤسسات القائمة على الحكم.
  • ضحايا الصراعات: غالبًا ما يكون الملوك الرضع ضحايا للصراعات على السلطة بين الوصاة والنبلاء، وتُشكل طفولتهم مسرحًا للمؤامرات السياسية.
  • القدر والصدفة: تُشير هذه القصص إلى دور الصدفة والقدر في تولي العروش، حيث قد يجد شخص نفسه في موقع السلطة بسبب ظروف خارجة عن إرادته.

الخلاصة: التاريخ مليء بالمفاجآت

إن قصص الملوك الذين حكموا لدقائق معدودة أو تولوا العرش وهم رضع، هي شهادة على طبيعة التاريخ المتقلبة، حيث يمكن أن تتشابك الأحداث والظروف لتُصنع حكايات لا تُصدق. إنها تُذكرنا بأن السلطة قد تكون عابرة كنفخة هواء، وأن العروش يمكن أن تُورث حتى لأصغر الأيدي. هذه التفاصيل الغريبة في صفحات التاريخ تُبقينا دائمًا مفتونين ومُتعطشين للمزيد من الغرائب التي تُخبئها لنا سجلات البشرية.