الشيخ زايد يروي قصة خط بارليف
ذكريات صحفية | كتب : أحمد عمر
مؤسس ورئيس تحرير مجله ماجد الأسبق
أواصل حديث الذكريات الصحفية، التي امتدت أكثر من ٦٠ عاماً. كانت السنوات التي أمضيتها في جريدة الاتحاد الإماراتية حافلة بالأحداث، التي أروي جانباً منها، دون ترتيب زمني، خلال هذه الفترة كنت أتولى تغطية جولات الشيخ زايد بن سلطان رئيس
الدولة داخل وخارج البلاد.
مساء كل يوم كان الشيخ زايد يتصدّر مجلسه في قصر الحكم، ويلتقي بإخوانه حكام الإمارات وكبار المسؤولين والمواطنين. كان يتواجد في المجلس عادة ما لا يقل عن ٥٠ شخصاً، بعضهم يقترب من الشيخ للتحدث في أمر ما، والباقون ينتظرون دورهم، يتناولون القهوة العربية الشهيرة.
اخترت لكم يوماً مميزاً لأنقل بالتفصيل ما حدث في مجلس الشيخ زايد. قبلها بيوم كان وزير خارجية الإمارات في ذلك الوقت، أحمد خليفه السويدي، قد زار مصر، وتفقد خط بارليف، بعد أن دمّره المصريون، وعاد إلى أبو ظبي وروى للشيخ تفاصيل ما شاهده. كان الشيخ زايد في قمة السعادة والفخر، وهو يستمع إلى الأعمال البطولية التي قام بها جنود الجيش المصري.
بعدها وعلى امتداد أكثر من خمس ساعات، توافد على المجلس عدد من الشيوخ وكبار المسؤولين، عقب وصول كل منهم كان الشيخ زايد يروي قصة خط برليف، كما سمعها من وزير خارجيته.
كان يردد تفاصيل اقتحام خط بارليف، وشجاعة الجندي المصري.
كان يركز على واقعه أنابيب النابالم على امتداد القناة، التي كان المفترض أن تغطي المياه بالنابالم الحارق، وكيف أن رجال الصاعقة المصرية، تمكّنوا من سد فوهات هذه الأنابيب. بل إن أحد الجنود سدّ فوهه أحد هذه الأنابيب بجسده، في تصرف خارق سجله التاريخ. رأيت الشيخ زايد في هذه الأمسية مزهواً فخوراً، وهو يروي ويكرر تفاصيل اقتحام وتدمير خط بارليف.
رحلة سريعة بطائرة الرئاسة
في إحدى زيارات الشيخ للمغرب، كنت مسؤولاً عن تغطية أحداث تلك الرحلة، والحفاوة التي استقبله بها ملك المغرب.
كنت أتناول طعام الإفطار في مطعم الفندق الذي أقيم به في الرباط. كان المطعم مزدحماً، بعد قليل وصل أحد مرافقي الشيخ زايد لتناول الإفطار، وبعدها نتجه إلى مقر إقامة الشيخ، لبدء الجولة المقررة لهذا اليوم.
بعد قليل جاءت سيدتان ورجلان يبدو أنهم أوروبيون واستأذنوا للجلوس على نفس المائدة، لعدم وجود أماكن أخرى خالية. جلسوا لتناول الإفطار وتبادلنا معهم الحديث. اكتشفنا أنهم لا يعرفون شيئاً عن أبو ظبي أو الإمارات.
حاولنا أن نعرفهم لكن ضيق الوقت لم يسمح لنا بذلك. انتهينا من الإفطار وتوجهنا إلى مقر إقامة الشيخ لنصحبه في جولة اليوم.
بعد انتهاء الجولة، فوجئت بأن رفيقي في الإفطار قد أبلغ الشيخ زايد بقصة الأجانب الذين لا يعرفون أبو ظبي. طلب الشيخ أن يقابلهم في اليوم التالي. لم يكن صعباً أن نجد هؤلاء الأجانب، الذين فرحوا كثيراً بمقابلة الشيخ.
في اللقاء، تحدث الشيخ زايد معهم، وأمسك ورقة وقلماً، ورسم خريطة توضّح موقع الإمارات. استمر اللقاء بعض الوقت، وفي نهايته كانت مفاجأة مذهلة للأجانب.
عرض عليهم الشيخ زايد التوجه في اليوم التالي إلى أبو ظبي، والتجول في أرجائها، ليروا معالمها ونهضتها بأنفسهم. غمرتهم الدهشة! كيف يسافرون إلى أبو ظبي وليست معهم بطاقات سفر ولا تأشيرات دخول؟ أمر الشيخ أن تنقلهم طائرة الرئاسة إلى أبو ظبي، وأن تنظم لهم جولة هناك، ليروا خلالها دولة لم يعرفوا عنها شيئاً.
وبالفعل، استقلّ الأجانب الأربعة طائرة الرئاسة الإماراتية، ووصلوا إلى أبو ظبي وقاموا بجولة، عادوا بعدها إلى المغرب، واستمع الشيخ زايد إلى انطباعهم عن الجولة. وصفوها بأنها خيالية لم يكن يحلموا بمثلها.
أرى الحزن على وجهك!
كان الشيخ زايد حاد الذكاء، سريع البديهة. وأستطيع أن أقول إنه كان يقرأ الوجوه. لن أنسى واقعة حدثت خلال زيارته لإحدى الدول العربية. طوال اليوم كان في لقاءات رسمية وشعبية، أحسسنا خلالها بالإجهاد، لكنه كان قادراً على التحمل.
في نهاية الجولة وبعد عودتنا إلى مقر الإقامة كان يجلس مع عدد من مرافقيه يتناولون القهوة، ويتحدثون عن أحداث جولة اليوم، وكما هو متبع كان من مسؤولياتي أن أقدّم للشيخ زايد موجزاً لأهم الأنباء المحلية والدولية. هذه الأخبار كانت تصلني يومياً من إذاعة أبو ظبي أعرضها على الشيخ.
في هذه الأمسية تقدّمت من الشيخ زايد ومعي الأوراق التي تحمل الأخبار، وبدأت في تقديم ملخص شامل، وكنت أجيب عن أي تساؤلات حولها.
بعد انتهائي من تقديم كل ما لديّ من أخبار، فوجئت بالشيخ زايد يسألني. ماذا بك؟ فوجئت بالسؤال، وفوجئت به يقول لي أنه يري الحزن على وجهي! كان هذا حقيقياً لكن اكتشافه يحتاج إلى ذكاء وفراسة، كانتا متوافرتين لدى الشيخ، الذي وصفه البعض من قادة العالم بأنه رجل دولة من الطراز الأول.
لم يكن أمامي إلا أن أخبره بما يحزنني. قلت إنه وصلني خبر من أبو ظبي أن مصطفي شردي، رئيس تحرير جريدة الاتحاد، يواجه أزمة صحية خطيرة. بلهجة حادة قال الشيخ إن المفروض أن أخبره فوراً.
كان الشيخ يحمل تقديراً كبيراً لمصطفى شردي. أمر بأن تقوم طائرة خاصة بنقله فوراً للعلاج في الولايات المتحدة. وقبل أن يتم ذلك بقليل تحسّنت حالة مصطفى شردي، ونصح الأطباء باستكمال علاجه في أبو ظبي.
كان الشيخ زايد طوال الرحلة يطمئن عن حالة المريض، وشعر بالسعادة حين تعافى.
للذكريات بقية.. موعدنا الشهر القادم بإذن الله