السينما السعودية عنوان «مالمو»
إنها (أواني مستطرقة) تلك هي قناعتي، ولهذا عندما تنتعش السينما في المملكة العربية السعودية أشعر أن العالم العربي كله ينتعش، أول دولة عربية تلمح فيها ردود فعل إيجابية هي قطعاً مصر، صارت السينما السعودية في الأعوام الأخيرة تُشكل ملمحاً لا يمكن إنكاره على الخريطة.
وعلينا أن تتوقف عنده بكل دهشة وإعجاب، إيقاع التقدم يحقق تصاعداً سواء في عدد دور العرض التي يتم تشييدها أو الأفلام التي تنتج ويحيط كل ذلك رغبة عميقة من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لوضع هذا النشاط الثقافي والفني في المقدمة.
وتتحرك تلك المنظومة من خلال جناحي وزارة الثقافة، التي يرأسها الأمير بدر بن عبد الله آل سعود وهيئة الترفيه برئاسة المستشار تركي آل شيخ.
مهرجان (مالمو) في دورته الثانية عشرة يواصل توطيد علاقته بالسينما العربية يرصدها بعين محايدة، تمنح مملكة السويد السينما العربية مساحة عميقة من الاهتمام، وهكذا أصبح مهرجان (مالمو) هو الواجهة الأوروبية، الأكثر بريقاً وجاذبية للأفلام والمبدعين العرب، فهو الترمومتر لحال السينما في كل أحوالها من ازدهار أو خفوت، وعندما تستعيد الأفلام العربية من خلال عين أوروبية يصبح المذاق مختلفاً.
والحقيقة من خلال متابعتي للسينما في عالمنا العربي أقول لكم إن السينما العربية برغم كل تداعيات (كورونا) استطاعت أن تمنحنا في العامين الآخيرين تواجداً عالمياً، كما أنها شهدت في نهاية العام الماضي ميلاد مهرجان (البحر الأحمر) بجدة ليقتنص اهتمام العالم، حيث ولد المهرجان عملاقاً بأفلامه وندواته، كانت هناك رحابة ومرونة من المملكة لزيادة مساحة الحرية لقبول الآخر، وهكذا شاهدنا أفلاماً تحمل جرأة وتتجاوز الكثير مما دأبنا على أن نصفها بالخطوط الحمراء.
وجاء اختيار المخرج محمد قبلاوي، مؤسس ورئيس مهرجان (مالمو) لتكريم السينما السعودية في توقيت ذهبي تعيشه السينما في المملكة، النشاط قد دب في أوصالها وعادت الدماء متدفقة لكل الأنشطة الثقافية والفنية، وكل من يعمل في دائرة الصحافة والإعلام يدرك تماماً أن هذا النشاط ممتد طوال العام وليس موسمياً، ولا هو مرتبطاً فقط باحتفالية خاصة، الجمهور السعودي هو الرهان الحقيقي على هذا النشاط، الإقبال بالأرقام أكد أن الشغف عاش في الصدور طوال تلك السنوات، وعندما حانت الفرصة انطلق بكل عنفوان وقوة.
أتابع أيضاً قبل بضع سنوات الجناح السعودي للسينما على شاطئ (الريفيرا) الذي أفتتح يوم 17 مايو في دورة مهرجان كان (الماسية)، بمناسبة مرور 75 عاماً على إنشاء المهرجان، السينما السعودية تتواجد في كل هذه التظاهرات، في مالمو قدم رئيس المهرجان المخرج محمد القبلاوي، ليلة حافلة لعرض الأفلام التي حققت تواجدا ملفتا في مختلف المهرجانات السينمائية.
والإنتاج السينمائي السعودي تمتع بهامش متسع من الحرية في طرح العديد من القضايا الاجتماعية والتي كان يشار إليها في الماضي باعتبارها (المسكوت عنه)، وكأن هناك يافطة مكتوب عليها ممنوع الاقتراب.
السينما نفسها ككلمة قبل نحو خمس سنوات لم يكن من السهل تداولها أحياناً يقولون (صور متحركة)، لكن انطلقت بقوة لتصبح مركزاً رئيساً في عروض الأفلام العالمية، كما أنها قدمت تسهيلات لمن يريد تصوير أفلام في السعودية، وهكذا تفتح الباب لكي يرى العالم هذا الثراء التاريخي الذي تحتويه أرض المملكة.
تكريم سينما السعودية ضيف شرف هو قطعاً إطلالة موفقة من مالمو والقائمين عليه لما يجرى حقيقة على أرض الواقع، ولا يحتمل أدنى شك، وتلعب نظرية الأواني المستطرقة دورها، حيث ينعكس النشاط السعودي في مختلف الدول العربية.
مؤشر السينما هو أحد أهم المقاييس التي تطمئننا على أمس واليوم وغداً، وأنا أشعر حقيقة أن الخطوات التي نتابعها تؤكد ذلك والانتعاشة عربية، أدركناها جميعا ونحن نعايش تلك الدورة الاستثنائية في مهرجان (مالمو).