السؤال الصعب : هل يلعق أصابعه أم يقدم فناً تجارياً؟!

لايت نيوز

استمع الي المقالة
0:00

السؤال الصعب : هل يلعق أصابعه أم يقدم فناً تجارياً؟!

بقلم : طارق الشناوي 

في حوار ممتع جرى قبل أكثر من 100 عام بين نجيب الريحاني أحد أهم نجومنا في التاريخ وزكي طليمات أحد أهم أعمدة المسرح المصري الجاد، اتهم طليمات الريحاني بأنه يقدم للجمهور إسفافاً بتلك المسرحيات الهزلية، وأشهرها (كشك بك).

بينما كان رد الريحاني أنه حريص على تسلية جمهوره، وأنه ينسج أيضاً أفكاراً إيجابية في تلك الأعمال، التي يصفها البعض بالهزيلة الهزلية، وأضاف أنه كفنان عليه أن يضمن تحقيق مردود مادي، ولن يلعق أصابعه.

تستطيع أن تجد معنى الاحتراف، وهو يُطل بين ثنايا كلمات نجيب الريحاني، فهو يجب أن يحقق أيضاً أرباحاً، وكان من المعروف أن الريحاني يتقاضى من شركة إنتاج (استوديو مصر) أعلى أجر في تلك السنوات مقابل فيلمي (سلامة في خير) و(سي عُمر)، وهو ألف جنيه عن الفيلم.

في مذكرات أشهر كاتبة بريطانية، التي تحتل المرتبة الثانية بعد وليم شكسبير في تحقيق أعلى أرقام المبيعات، أتحدث عن أجاثا كريستي، قالت إنها تعوّدت عندما تحتاج إلى نقود لإصلاح مثلاً شرفة في منزلها تسارع بالبدء في كتابة قصة، وتحصل على العربون، وبعدها تتفق مع النجار.

الكثير من أعمالها كان الدافع الأساسي لكتابتها هو الاحتياج المادي، فإذا لم يكن شرفة منزل فربما إصلاح سيارة.

عمر الشريف كان يقول أشعر أن الله يقف دائماً معي، عندما أحتاج إلى مال أجده، يدق تليفون من شركة الإنتاج تعرض دوراً، ولا يكابر عمر، فهو يوافق على الدور بعيداً حتى عن قناعته، لأن التمثيل مهنته الوحيدة التي يتكسّب منها، وقال لي إن العديد من الأدوار التي شارك فيها لم يكن راضياً عنها، لكن الاحتياج المادي هو السبب.

الفنانة الكبيرة ماجدة الصباحي قالت إنها اضطرت إلى أن تقف أمام الكاميرا مخرجة للمرة الأولى والأخيرة في فيلم (من أحب)، لأنه من إنتاجها، والمخرج المرشح قبل أيام قلائل من بداية التصوير اعتذر.

فكان ينبغي أن تنقذ الموقف، وإلا تعرّضت لخسارة فادحة، قال لي كمال الشناوي وأيضاً له تجربة يتيمة في الإخراج، لم يتحمّس أحد من كبار المخرجين لفكرة فيلمه (تنابلة السلطان).

بينما كان يرى أنه يشكل تجربة رائدة، وفشل الفيلم، وقال لي كمال لست نادماً، ربما كنت سأندم أكثر لو لم أخرجه، أن تندم على شيء فعلته أقل وطأة على الإنسان من الندم على شيء لم يفعله.

فيلم (الناظر) الذي أدى فيه علاء ولي الدين ست شخصيات، بينها ثلاثة رئيسية، وهي الابن والأب والأم، قال لي المخرج شريف عرفة إنه كان مجبراً، لم يجد أمامه أحداً يصلح لدوري الأب والأم سوى علاء، فأصبح هو الفيلم الأهم في مشوار علاء، ومن أفضل أفلام شريف عرفة.

روى الشاعر الغنائي فتحي قورة أنه كان في ضائقة مالية، واتصل به فريد الأطرش طالباً أن يكتب أغنية مطلعها (يا قلبي كفاية دق)، وأرسل له العربون، حاول قورة استكمال المطلع لم يستطع، أتصل بفريد قائلاً إنه غير مقتنع، لأن القلب عندما يتوقف عن الدق، فهذا معناه الموت، هكذا كان يعرف الناس الموت قبل أن يصبح علمياً هو موت جذع المخ، حاول قورة إقناع فريد بأن يترك له الأمر برمته.

وسيكتب مطلعاً جديداً أحلى، بينما فريد يرفض التغيير، فاضطر قورة أمام حاجته المادية أن يرضخ وأكمل (مدام حبيبك رق) فأصبحت من أشهر أغنيات فريد!

يروي الشاعر الغنائي حسين السيد أنه كان مع صديقه الموسيقار محمد عبد الوهاب يتفقدان عمارة كان حسين قد شرع في بنائها، فوجد أن العمال توقفوا عن استكمالها، سأل بغضب قالوا له إن الميزانية التي وضعها قد نفدت تماماً.

ولم يجدوا أموالاً لشراء باقي مواد البناء، فقال حسين السيد غاضباً (توبة توبة)، فالتقطها عبد الوهاب، وطلب منه أن يُكملها فصارت واحدة من أشهر أغنيات عبد الحليم بتلحين عبد الوهاب، وحصل حسين على العربون، وسدد ما عليه، ولا تزال الأغنية تتردد في (الميديا)، وتحقق أعلى معدلات الأداء العلني.

كان الشاعر والكاتب بديع خيري يعتب على المخرج هنري بركات أنه ظل عامين متتالين، يعتذر عن إخراج عدد من السيناريوهات، بحجة ضعف مستواها، فقال له الفنان لا يتوقف، عندما تجد سيناريو رائعاً البس (الأسموكن).

واذهب إلى الاستوديو، وعندما لا تجد العمل المتكامل، البس (العفريته الزرقاء) يقصد بدلة العمال الحرفيين، واذهب إلى الاستوديو.

نعم، من الممكن أن ترتدي (الأسموكن) أو (العفريتة) إلا أن عليك في الحالتين إتقان الصنعة، الفنان المحترف قد يضطر أمام احتياجه المادي إلى أن يقدم أعمالاً من أجل ضمان نفقات حياته بدلاً من أن يلحس أصابعه على رأي عمنا نجيب الريحاني!