الإستثناء الجمركي عن رسوم ترامب في عالم الرسوم الجمركية: نظرة معمقة على الدول الأربع التي أفلتت من تعريفات ترامب
في خضم التوترات التجارية المتصاعدة عالميًا، أثارت الإجراءات الحمائية التي تبنتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، موجة من التساؤلات والتحليلات. وبينما طالت رسومه الجمركية العديد من الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، برزت أربع دول بشكل لافت للإنتباه لغيابها عن قائمة التعريفات الجديدة: روسيا، وكوبا، وبيلاروسيا، وكوريا الشمالية. هذا الإستثناء المثير للدهشة دفع إلى البحث عن الأسباب الكامنة وراء هذا القرار، وهو ما كشفته تصريحات رسمية ووسائل إعلامية مختلفة.
العقوبات القائمة كحاجز تجاري: روسيا في قلب الإستثناء
كانت روسيا أولى الدول التي لفتت الأنظار لعدم إدراجها ضمن قائمة الرسوم الجمركية الجديدة. وسرعان ما قدم الإعلام الروسي تفسيرًا منطقيًا لهذا الإستثناء، مؤكدًا أن العقوبات الإقتصادية الشاملة المفروضة بالفعل على موسكو تحول دون قيام أي تبادل تجاري ذي مغزى بين البلدين. هذا التفسير وجد صدى له في تصريحات مسؤولين بالبيت الأبيض نقلتها وسائل الإعلام الأمريكية.
فقد أكد مسؤول في البيت الأبيض لصحيفة “The Hill” أن هذه الدول الأربع “لا تخضع للأمر التنفيذي للتعريفة الجمركية المتبادلة لأنها تواجه عقوباتنا المفروضة سابقًا، والتي تحول دون أي تجارة ذات مغزى مع هذه الدول”. وبشكل مماثل، نقل موقع “أكسيوس” الأمريكي عن السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، كارولين ليفيت، قولها إن السبب الرئيسي لعدم إدراج روسيا هو أن العقوبات الأمريكية الحالية تجعل أي تبادل تجاري بين البلدين غير ذي جدوى.
هذه التصريحات تشير بوضوح إلى أن الإدارة الأمريكية رأت أن فرض رسوم جمركية جديدة على روسيا سيكون إجراءً شكليًا وغير مؤثر، نظرًا لأن العقوبات القائمة بالفعل تعمل كحاجز تجاري قوي يمنع أي نشاط تجاري كبير. بمعنى آخر، كانت العقوبات بمثابة “جدار صد” يغني عن الحاجة إلى إضافة طبقة أخرى من القيود التجارية في صورة رسوم جمركية.
منطق مماثل لدول أخرى: كوبا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية
لم يقتصر هذا المنطق على روسيا وحدها، بل إمتد ليشمل الدول الثلاث الأخرى المستثناة من الرسوم الجمركية: كوبا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية. فجميع هذه الدول تخضع أيضًا لعقوبات أمريكية واسعة النطاق، تهدف إلى الضغط على حكوماتها بسبب سياساتها الداخلية والخارجية.
كوبا : تخضع لحصار إقتصادي أمريكي طويل الأمد، يقيد بشكل كبير التبادلات التجارية والإستثمارية بين البلدين.
بيلاروسيا : تواجه عقوبات أمريكية ودولية بسبب قمعها للمعارضة وإنتهاكات حقوق الإنسان، مما يعيق العلاقات التجارية الطبيعية .
كوريا الشمالية : تخضع لعقوبات قاسية من الأمم المتحدة والولايات المتحدة بسبب برنامجها النووي والصاروخي، مما يجعل التبادل التجاري معها محدودًا للغاية إن لم يكن معدومًا.
الخلاصة
بالتالي .يمكن فهم إستثناء هذه الدول الثلاث من الرسوم الجمركية الجديدة على نفس الأساس الذي تم إستثناء روسيا منه. فالعقوبات القائمة بالفعل تخلق بيئة تجارية مقيدة للغاية، تجعل فرض رسوم جمركية إضافية أمرًا غير ضروري من الناحية العملية.
الإستثناء الجمركي عن رسوم ترامب وتأثيرها علي الدول المستثناة
على الرغم من أن هذه الدول لم تخضع لرسوم جمركية جديدة، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أنها بمنأى عن التأثيرات الإقتصادية للعقوبات القائمة. فالعقوبات غالبًا ما تؤدي إلى
تقويض النمو الإقتصادي : عن طريق الحد من الوصول إلى الأسواق العالمية والتكنولوجيا والإستثمارات الأجنبية.
زيادة التضخم : بسبب صعوبة الحصول على السلع والخدمات الأساسية وإرتفاع تكاليف الإستيراد.
تدهور مستويات المعيشة : نتيجة للضغوط الإقتصادية المتزايدة على السكان.
إذًا، يمكن القول إن غياب الرسوم الجمركية الجديدة لم يكن بمثابة “هدية” لهذه الدول، بل كان ببساطة إنعكاسًا للواقع التجاري القائم بالفعل بسبب العقوبات المفروضة عليها.
الخلاصة
منطق العقوبات يغلب منطق الرسوم الجمركية
يتضح أن إستثناء روسيا وكوبا وبيلاروسيا وكوريا الشمالية من قائمة الرسوم الجمركية التي أعلنتها إدارة ترامب لم يكن ناتجًا عن علاقات تجارية قوية أو تفضيلات خاصة، بل كان نتيجة منطقية للعقوبات الإقتصادية الشاملة التي تفرضها الولايات المتحدة على هذه الدول. فالعقوبات القائمة بالفعل تعمل كحاجز تجاري فعال، يجعل فرض رسوم جمركية إضافية إجراءً غير ضروري وغير مؤثر.
هذا الإستثناء يسلط الضوء على تعقيد الأدوات الإقتصادية التي تستخدمها الدول في إدارة علاقاتها الدولية. ففي حين أن الرسوم الجمركية تستخدم عادة لتعديل الميزان التجاري وحماية الصناعات المحلية، فإن العقوبات الإقتصادية تعتبر أداة أكثر قوة وشمولية تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية وإقتصادية أوسع من خلال تقييد التجارة والإستثمار بشكل كبير أو كامل. وفي حالة هذه الدول الأربع، كان منطق العقوبات هو الذي طغى على منطق الرسوم الجمركية.