أخلاقيات المصريين وأصول التعاملات.
إن كل من يتابع المصريين في السنوات الأخيرة سيجد تغييرًا كبيرًا في أخلاقيات المصريين، وسيجد أن طباع المصريين التي اشتهروا بها قد تغيرت، وللأسف فإنها قد تغيرت إلى الأسوأ، ولا أكون مغالية إذا ما قلت إن غالبية المصريين قد تغيرت طباعهم وتعاملاتهم وحتي مظهرهم قد تغير، سواء كانوا نساء أو رجالًا، ونظرة واحدة على أفلام الأبيض والأسود سيجد أنه حتى الحوار قد تغير، وأن الفجاجة قد استشرت، وأن العنف قد انتشر، وأن هناك غيابًا للتعاملات السوية أو التي فيها حفاظ على المثل والمبادئ، وأن الأصول لم تعد هي أساس تعاملات المصريين اليومية، وإنما نسبة قليلة من المصريين هي التي تحافظ على الأصول وتتعامل بها وتحافظ على الأخلاق الحميدة وتتعامل بها، نعم ما زالت هناك نسبة قليلة من المصريين لا تتعدى الـ٥ في المائة تتمسك بالأخلاقيات النبيلة والمبادئ والقيم وتحرص عليها، أما ما طغى على التعاملات بين الناس فهما المصلحة والفائدة بشكل عام وواضح، وهناك أسس للسلوكيات الجيدة أو السوية تسمي الأصول والذوق والأدب والتواضع، وكلها أشياء كدنا نفقدها مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتتالية، التي حدثت في المجتمع المصري، والتي مرت به منذ أحداث ٢٥ يناير ٢٠١١، وهي في حاجة إلى أن أتوقف عندها، والتي كان من أوضحها انتشار العنف والبلطجة والتشدد، وظهور فكر تكفير الآخر ومحاولات إثارة الفتن بين المسلم والمسيحي، وإعطاء مفاهيم متطرفة ومتشددة للدين الإسلامي، والدين منها براء، وانكشاف مخطط الظلاميين بعد كشف جرائمهم وممارساتهم ومشاركتهم في مخطط دولي لتدمير الدول العربية إلى دويلات وإضعاف نسيج المجتمع المصري، وتغيير أخلاقيات المصريين ودينهم الوسطي، واستبداله بالتشدد والتطرف وكراهية الآخر، واحتقار المرأة وتحقير البنات والسيدات بشكل عام ومحاولات الانتقاص من قيمتهن كمواطنات ومحاولات عزلهن، واعتبار المرأة عورة ونشر النقاب والحجاب المتشدد، ومحاولات الرجوع عن مكتسبات كثيرة حصلت عليها المرأة من قبل هذا التاريخ الأسود للعام الأسود لجماعة الظلاميين.
وكنا قد طالبنا قبل هذا بسنوات بالحصول على حقوق للمرأة ونجحنا في هذا.. إلى أن جاء حكم هذا الظلام الأسود فثار عليه الشعب المصري بكل فئاته ونسائه ورجاله وبناته وشبابه في يوم ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ثم دخلنا بعد رحيل الظلاميين عن سدة حكم مصر في مرحلة القضاء على الإرهاب والتطرف، وكانت بداية التحول الكبير بدء عهد جديد مع انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي في ٢٠١٤ بأغلبية ساحقة، حيث بدأ عهد البناء وإنشاء البنية التحتية وإرساء الاستقرار والأمان في ربوع الوطن، ودعم المرأة المصرية وإعطاؤها حقوقها ورفع مكانتها والدعوة إلى احترامها، وكانت من أهم القضايا التي شغلتني شخصيًا الدعوة لإحياء الهوية المصرية، والحفاظ عليها، خاصة من خلال تمكين المرأة ودعوتها لتكون حريصة على رفع درجة الوعي بالهوية المصرية، واستعادة الأصول في التعاملات حتى لا تندثر الهوية المصرية بين محاولات التطرف الديني وتكفير الأخر والعنف والتشدد وبين محاولات التغريب وتأثير الإنترنت والمواقع الكثيرة التي تنشر فوضى الأخلاق والسلوكيات وأنواع من الانحرافات الغريبة، التي تضعف هوية المجتمعات وتعمل على نشر الشذوذ والسلوكيات اللا أخلاقية تحت مسمى الحريات، لهذا فإنني أدعو المرأة والفتاة والرجل والشاب إلى الاعتزاز بهويتهم المصرية العريقة؛ حتى نحافظ على هويتنا العريقة بين الأمم وحتى ننشر القيم والأخلاق، فحين تضعف الأخلاق تنهار المجتمعات.
إن الهوية المصرية تتميز بالعراقة والشهامة والأخلاق والأصول واحترام الكبير والعطف على الصغير والحرص على الأناقة في المظهر وفي الحوار، ولا بد من غرس قيم الانتماء والولاء للوطن في الأسرة وفي المدارس والجامعات، وتمجيد ذوي الكفاءة والأخلاق الحميدة في أماكن العمل والجامعات والإعلام، وفي الدراما، ودعونا كنساء حافظات للقيم ندعو لإحياء الهوية المصرية، خاصة مع الأجيال الشابة والأجيال التي لم تعاصر أخلاقيات المصريين الحقيقية، فلقد اعتدنا أن نحترم الكبير، واعتدنا مثلًا أيضًا على كلمات بسيطة لطيفة في تعاملاتنا اليومية مثل: من فضلك، ولوسمحت، وعن إذنك، وألف شكر، وصباح الفل، وصباح الخير، ويوم سعيد، وأرجوك، وكلمات تعبر عن الذوق والتهذيب والتواضع، وأضيف إلى هذا لمن لا يعرف، فلقد كان الفراعنة القدماء قد سبقوا العالم في الدعوة للأخلاق والوعي بها، وتم اكتشاف بعض الأخلاقيات القديمة لدى قدماء المصريين منقوشة على جدران المعابد والمقابر والآثار المصرية القديمة.
ففي كتاب الخروج للنهار، وجدت عبارات تدعو للأخلاق جاء فيها: «لم أقتل.. لم آمر بقتل أحد.. لم أشته زوجة جاري.. لم أدنس نفسي.. لم أكذب.. لم أسرق.. لم أشهد زورًا.. لم أملأ قلبي حقدًا.. لم أكن سببًا في شقاء حيوان.. لم أعذب نباتًا بأن نسيت أن أسقيه ماء.. أطعمت الجائع.. ورويت العطشان.. وكسوت العريان.. كنت عينًا للأعمى ويدًا للمشلول ورجلًا للكسيح.. لم ألوث ماء النيل المقدس، ملأت قلبي بـ«ماعت» إله الحق والعدل والاستقامة.
وفي تقديري أن تعاليم الأخلاق في مصر القديمة ما زالت صالحة لعصرنا هذا، بل هي تجعلنا نعتز ونتمسك أكثر بمصريتنا، وبأن مصر القديمة رائدة في كل المجالات، وأنها قد سبقت العالم كله في الدعوة للأخلاق الحميدة، ما يجعلنا نتمسك أكثر بأن نستكمل السير في طريق الأخلاق الذي بدأه أجدادنا الفراعنة.. ومن الضروري في تقديري للحفاظ على الهوية المصرية أن نمجد الأخلاق قبل المال، ومن الضروري أن يقاس الشخص بأخلاقياته وكفاءته في العمل، فقيمة الإنسان لا بد أن تكون بأخلاقه المتميزة، وليس بكثرة أمواله أو بقوة فتونته على الآخرين، دعونا كمثقفين نصحح ميزان التقييم المقلوب منذ سنوات بأن تكون الأخلاق النبيلة هي المميزة للفرد، وليس ماله أو نفوذه، فلنحافظ على هويتنا العريقة ذات الجذور القوية الممتدة منذ ٧٠٠٠ سنة حتى نتجه بقوة وبخطوات ثابتة إلى مستقبل أفضل لنا جميعًا.